اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو

عشبة الضوء الأخيرة ” للشاعرة زينب البياتي

 

عشبة الضوء الأخيرة …….

 

 

  شعر –  زينب غسان البياتي  / بغداد 

 

فِي غربةِ الزَّحمة ،

حيثُ الفراغاتُ تضعُ أعذارها كحجارةٍ فِي طريقِ العابرين ،

وَ حيثُ القلبُ يلتفتُ خلفهُ ليبحثَ عن سكونٍ ضائعٍ

بينَ شهقةِ ليلٍ ، وَ ارتباكِ نجمة ،

تولدُ نظرةٌ ،

تستعيرُ من عتمةِ الأفقِ نبوءةَ خُذلان ،

وَ تُداري ارتجافةً ناعمةً

كأنّها اعتذارُ اللحظاتِ المنسيّة .

نظرةٌ ..

تهوي مثلَ زجاجٍ مكسور ،

تتشظّىٰ بملحَةِ لمسٍ

لا يُجيدُ غيرَ فضِّ أسرارِ الحواس ،

ثُمَّ تلتئمُ بلذعةِ غفوةٍ

توقظُ جرحًا فِي خاصرةِ الصمت ،

فتبدو كطوفانٍ

يتردّدُ أن يُجاري البحر ؛

لأنَّ البحرَ لا يعرفُ العذرَ ،

وَ لا يُتقنُ سوىٰ الغرق .

هناك ..

فِي وشاحٍ هَشٍّ انسدلَ عَلىٰ كتفِ ظلٍّ

تعثَّر بخفّةِ يدٍ ،

كانتْ بذورُ صبيّةٍ تتلمّسُ الطريقَ إِلىٰ عشبةِ ضوء ،

وَ تخشىٰ أن تلمسها العتمة ،

فتلوذُ بلحظةِ فرحٍ مختنقٍ ،

تارةً يذوبُ بألمٍ ،

وَ تارةً أخرىٰ يختنقُ بضحكةٍ بلا ملامح .

ثُمَّ ..

فِي ازدحامِ الصهيل ،

حيثُ يجاورُ الموتُ حياةً غير مكتملة ،

يطلُّ جلجامش من أمسيتهِ البعيدة ،

وَ يمدُّ يدًا من ملحمةٍ إِلىٰ وسادةِ شعر ،

وسادةٍ كانتْ رأسًا ثانيًا للسماء ،

تتوسّدُ بينَ ثواني الأنا ،

وَ تشتعلُ بإعصارِ لوعةٍ

يتحوّلُ إِلىٰ مطرٍ مُشتهىٰ ،

مطرٍ يبحثُ عن صدرِ صباحٍ

بلا غزلِ تين ،

وَ بلا شموخِ زيتون ،

وَ بلا كلمةٍ تعثرَ بها لسانُ الخلود .

كُلُّ شيءٍ هنا

يتردّدُ فِي البوح :

الكلمةُ تقفُ عندَ الحرفِ الرابع خجلىٰ ،

تخشىٰ أن تكملَ خطوتها ،

وَ الحرفُ نفسُهُ

يحملُ غربةً أكثرَ اتساعًا من نصٍّ ،

أكثرَ فجيعةً من قصيدة ،

وَ أكثرَ وحدةً من شاعرٍ

يتعقّبُ ظلَّهُ فِي مرآةٍ بلا زجاج .

يا لهذه الغربة ،

غربةٌ تصنعُ من الزحمةِ معبدًا ،

وَ من المعبدِ منفىٰ ،

وَ من المنفىٰ قصيدةً

تمشي عَلىٰ أطرافِ حروفٍ متعبة ،

وَ تصرخُ كأنّها تنادي نهرًا

لم يَعُدْ يعرفُ إنْ كانَ قد عادَ إِلىٰ مجراه ،

أَم غرقَ فِي نفسه .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق