اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو

حين حوصرت شعائر عاشوراء تحت القمع البعثي

 

بقلم الكاتب_جعفر محيي الدين_ النجف

الحسين ليس قصة انتهت …….بل هو (بداية لا تنتهي)

 

في مثل هذه الأيام، يعود الحسين حيّاً في وجدان الأحرار، وتُستعاد ذكرى الطفّ بكل ما فيها من دمٍ وموقف، من لوعةٍ وكرامة، من ظمأٍ وصبر لكن في عراق القرن العشرين، لم يكن الحسين وحده في غربته فثمة أزمنة أخرى أعادت مشهد كربلاء بوجه مختلف، حين طغى صوت الجلاد، وتقيّدت ألسنة العزاء، وتحوّلت الشعائر إلى تهمة

في عهد النظام البعثي، كانت عاشوراء تمضي بصمتٍ ثقيل، وتُحيا خلف الأبواب المغلقة، والدمعة تسقط خائفة، والنحيب يُهمَس لا يُرفع لم يكن ذلك إلا لأن الحسين كان مرآةً تُخيف الطغاة، وصوتاً لا يخفت، مهما اشتدّ القمع أو كثرت الموانع في عاشوراء البعث، صارت المواكب تهمة، واللطم جريمة، والتكبير على مصيبة الحسين (نشاطاً مشبوها) سُجن الخطباء، وحوصرت الحسينيات، ونُفي الزائرون، وكأنّ النظام كان يحاول أن يحجب الشمس بغربال

لكنّ المدهش، أن هذا الظلم لم يُطفئ نور الحسين، بل زاده شعاعاً، لم يخمد الصوت، بل صار همساً يعبر الجدران، وزفراتٍ تُقال في الظلمة وتصل إلى السماء، لقد كان كلّ مجلس حسيني في تلك الحقبة مقاومة، وكل دمعةٍ في عاشوراء رفضاً، كان أبناء كربلاء، والنجف، والبصرة، والناصرية، والعمارة، وكل مدن الجنوب، يعيدون إنتاج كربلاء بطريقةٍ جديدة صبراً على القهر، وثباتاً في الوجدان، وولاءً لا يعرف التراجع

إنّ مَن يُحيي الحسين لا يُهزم، ومَن يسير في درب الطف لا يميل فمهما طال ليل الظالمين، تبقى راية الحسين خفّاقة، تطلّ من بين الركام، وتُنبئ بأن هذا الشعب، في لحظة الحقّ، لا يركع إلا للّٰه

في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) لا بد أن نستحضر ليس فقط مظلوميته التاريخية، بل أيضاً مظلومية كلّ من سار على نهجه، ممن عاشوا عاشوراءهم في العصر الحديث، وذُبحوا معنوياً أو سُجنوا أو حوربوا، لأنهم قالوا هيهات منا الذلة

بعد أن انكسر طوق الخوف، وسقط جدار الصمت الذي شيّده الطغاة، عادت الأرواح إلى مسارها، وخرجت الملايين تمشي حفاةً على درب كربلاء، تكتب بأقدامها ملحمة كانت محظورة لعقود لم تكن زيارة الأربعين مجرّد طقس، بل كانت إعلان ولاء، وصرخة وفاء، وجنازة متأخرة لكلّ من حُرم من الحسين وهو على قيد الحياة

في السنوات التي تلت السقوط، فاضت الطرقات بالزائرين، وانتشرت الرايات من الفاو إلى كربلاء، كأن الأرض كانت تحفظ الشوق وتردّه مضاعفاً لقد صارت الأربعين ساحة حرية، وصوتاً جماعياً يقول نحن أبناء الحسين، وأحفاد الذين بُترت ألسنتهم في زمن الطغيان، وها نحن نرتّل اسمه عالياً في زمن الحرية

الشعائر لم تعد طقوساً دينية فحسب، بل تحوّلت إلى رمزٍ لهوية متجذّرة، وإرادةٍ لا تخبو، ومقاومةٍ لم تمت إن مواكب العزاء، ومجالس الندب، ومواسم المشي، كلّها اليوم رسائل سلام، تروي للعالم قصة أمةٍ لم تنكسر، رغم كل ما مرّت به من محن

وهكذا، يبقى الحسين حياً، لا في الكتب والمجالس فحسب، بل في خطى العاشقين، وفي دمعةٍ لا تزال تنزل من عيون من وُلدوا بعد الطغيان، لأن الحسين ليس قصة انتهت بل هو (بداية لا تنتهي) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق