اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو
ورقة أدبيّة ….المبدعة الشّاعرة منيرة الحاج يوسف:
شاعرة جزيرة الأحلام .. بين بَوْحِ الصّورة وهمس الكلام

ورقة أدبيّة
المبدعة الشّاعرة منيرة الحاج يوسف:
شاعرة جزيرة الأحلام .. بين بَوْحِ الصّورة وهمس الكلام
يكتبها : أ .الناصر السعيدي من تونس
هي لتواضعها ، وقد رفعها عاليا في أعين النّاس ، ولنُبلها وشهامتها تُقدّم نفسها باختصار :” حالمةٌ بالأمل ، جائعةٌ للعمل ، متحدّية كلّ ألم ” ، لندرك منذ البداية أنّنا في حضرة قدّيسة أو قُلْ نبيّة ديْدنها الحلم والأمل والعمل الدّؤوب والتحدّي ، وفي تعريفها أيضا ما يعني أنّ مسيرتها ألمٌ أو لا تكون ،حتمًا ستتحدّاه بحبر القلم والكلمة الصّادقة والحرّة التي كلّما تلألأتْ إلاّ وتركتْ الأثر العميق في سلوك المتلقّي وهو القارىء الذي تكتب من أجله ولأجله شاعرتنا منيرة الحاج يوسف ، أستاذة اللّغة العربيّة والآداب ، سليلة جزيرة الأحلام جربة حيث أزهرَ المكانُ من عَبَقِ الأساطير والحكايا والخرافات والملاحم الإنسانيّة التي خلّفتها الأقوام والقبائل في ترحالهم واستقرارهم ، بين عناق الرّوابي أرضا وسكون الأمواج بحرا حتّى أمسى المكان لوحة تشكيليّة ساحرة تنبض قداسة وبهاء وجمالا وهو يتفيّأ ظلال الشّفق الأحمر عند الغروب من هناك ، من أرض “الڨلاّلة” كما يسمّونها أهلها باللّهجة العاميّة وهو منظر غارق في الرّاحة والمتعة والخيال ويزداد سحرا لمّا يرتسم الشّفق الأحمر على صفحة بحر الجزيرة وقدرها أن تظلّ دوما محتفية بالفرح الدّائم ، ومن وقتها صارت جربةُ جزيرةَ الأحلام ومصدرا للإلهام والوحي والإيحاء والتّرميز ولعلّها قد وهبتْ لأبنائها موهبة الإبداع والتعبير والوصف والتّزويق والتّلوين إذ أخذوا من الإطارالمكاني جماله وإشراقته وحياءه وهيْبته حتّى بدا كلّ ما يكتبونه أغنية حبّ وعشق وغرام ولديهم هو شعر الفطرة والسّليقة المنبعثة من الشّعور والإلهام على غرار سكّان الجنوب التونسي شرقا وغربا ،وهو المسار الذي سلكتْهُ الشّاعرة منيرة الحاج يوسف وهي تتنقّل كفراشة ربيع بين المنتديات والمجالس والملتقيات والمنابر لتقدّم محاضرة أو تلقي قصيدا أو تحلّل نصّا أو تكرّم مبدعا فصار اسمها على كلّ لسان وفي كلّ مكان لأنّها جمعتْ بين صفتيْ الشّاعرة الموهوبة والمبدعة الأكاديميّة وزادتْ عليهما نُبْلَ أخلاقها وسعة معارفها لتتفيّأ مكانة مرموقة بين أنشطة السّاحة الثّقافيّة للبلاد التونسيّة عامة ، وفي صلب الحراك الأدبي والتّربوي في جزيرة جربة خاصّة ، وكلّما تواجدتْ في مجلس أدبيّ إلاّ وأقبل عشّاق القوافي ليتمتّعوا بسحر الكلام إذ أنّ شاعرتنا تلقي قصائدها بلهجة جربيّة كهمس الكمان وهديل الحمام فيعمّ الصّمت المكان ويتحوّل إلى ما شابه أجواء الكنائس لمّا يحتفي زوّارها بقداسة الأنبياء وطقوس القدّيسين وقت الغروب ، ولوداعتها تقدّم الشّاعرة منيرة الحاج يوسف نفسها تقديما شفّافا كما إشراقة شمس الأصيل فتقول في طرافة : ” أنا المنيرة ” وهو عنوان أحد قصائدها على سبيل المثال للاستئناس به ، أين اشتغلتْ في حبكة على العنوان فزادتْ الألف واللاّم ( ال ) إلى اسم علم ( منيرة ) أي أنّها زادتْ التّعريفَ إلى المعرفةِ وهذا يحسب لها ، ممّا ينوّع تفسيرات العنوانِ أصلا ، ثم تشدو للحاضرين قائلة : ” أشرّع قلبي للعابرين / أستقبل غربتهم أرمّم ما تداعى للسّقوط / على جدران أرواحهم ” لنقف حقّا في نصّها هذا ، وقد اخترناه مصادفة ، على صور شعريّة عناوينها الكرم والجود والسّخاء صورة طبق الأصل لما تتّصف به جزيرة جربة في الموروث الشّعبي إذ أنّ شاعرتنا شبّتْ على صفات النّبل والمروءة والحياء وظلّت تكتب الإبهارفي قصائد تعتمد على لغة شعريّة تحمل فكرا و إحساسا وخيالا وموسيقى ويقوم الشّعر لديها على وظيفتيْ الإلذاذ والإفهام ، ولا ندري هل هي الخنساء أم ولاّدة أم ميْ زيادة أم نازك الملائكة لأنّ الشّاعرة تعترف في رؤية فلسفيّة أنّ القصيدة هي التي تكتبها بينما في ذاكرة القرّاء أنّ الشاعرة منيرة الحاج يوسف تكتب شعرا يولد صباحا كهمس الأمواج ، فيغدو عند الغروب كصخب الأمواج المتلاطمة في عنف اللّغة ، وهي لذلك تتقمّص دور قدّيسة الشّعر في جزيرة وُلدتْ من رحم البحر رمزا وصورة وإلهاما ، وفي هذا أينعتْ علاقة حبّ وودّ بين شاعرتنا وبحر الجزيرة منذ الصّبا تكتب الشّعر منه وإليه وقد تشكو له أفراحها وأسرارها :” وعندما يغضب البحر/ أسكب فيه من دمعي ليهدأ ” ، وقد نقيس في هذا ونستحضر قول الشّاعر حافظ إبراهيم إذ قال:
” أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامنُ
فهل سألوا الغوّاص عن صدفاته “
وحتما أتقنتْ الشاعرة منيرة الحاج يوسف نسج القصيد من بَوْحِ الصّورة وصخب الشّطآن حتّى أزهر شعرها ممتدّا لا حدّ له على غرار هذا القصيد الذي وظّفتْ فيه زمن المستقبل في نبض أفعالها لتتوثّب وتتحرّك وتقفز وتشاكس القرّاء حتىّ يولد القصيد ناضجا ينبض بأمواج تهيج في ثورتها وهذه صورة الشّعر أولا تكون ، خاصّة أنّ أفعال المستقبل ( المضارع) تفيد الأمل والحلم والامتداد والصّيرورة:(أشرّع ، أستقبل ، أرمّم ، أرتّق ، أجلس ، أوزّع ، أسكب ، أرتّب ، أقدّم ، أسكب ، أحبّ ، أركض ، أنثر ، أنير ، أسأل ) ، ثمّ هي تُسندها إلى نفسها أي تستعمل الضّمير “أنا” ،ضمير الاستعلاء والتفرّد والهيبة والوقار في لظى صور شعريّة بديعة خضّبها التّرميز فَسَمَا بالنصّ شكلا ومضمونا ، وهو نفس مآل كلّ قصائدها التي رصّعتْ بها مسيرتها الشعريّة إلى حدّ اليوم وخوّلتْ لها أن تتفرّد بقصائد تُولد من نبض الزّمان وقداسة المكان ، ثم هي لقاء امتلاكها لأدوات اللّغة العربيّة تدلف أروقة المعجم اللّغوي لتثري نصوصها ببديع الكلام حتّى أنّ القرّاء اختلط عليهم الفهم ، فهل هم إزاء نصوص شعريّة أم لوحات تشكيليّة لشاعرة تنتقل في إبداع بين محتوى النصّ ووميض الصّور في أسمى تجلّياتها : ( أبواب قلبي ، أستقبل غربتهم ، أرمم ما تداعى للسّقوط ، أرتّق ثقوب عباءاتهم ، أوزّع أطباق الحبّ للجياع ، أسكب نبيذ مواساتي ، أرتّب دفاتر أحزان الغرباء ، أقدّم للريح قرابين ، أعلّق تمائم ، يغضب البحر ، أركض في دروب العشق ، أنثر بذور محبّتي ، يصفعني الجحود ، أنير أفئدة ملتاعة ، شرّدتها في متاهات الغموض ، كلّ الألوان ربيعي ) ثم تختم نصّها قائلة ، وقد تفاعلنا معه سطحيّا وبآختصارلأنّه للأمانة يتطلّب أن نشتغل عليه أكثرمع نصوص أخرى في صلب قراءة نقديّة أدبيّة تهتمّ بمسيرة شاعرتنا الفاضلة منيرة الحاج يوسف :” النّاس كلّهم إخوتي / وخصال المحبّة والتّسامح / فخري ونخوتي” وهي شعارات ذات أبعاد أخلاقيّة في مضمونها ، تحاكي شعر الموعظة والحكمة والنصيحة وقد فرض هذا النّوع من الشّعر نفسه في الأدب العربي كأحد الأغراض الشعريّة المتداولة منذ القديم وقدّم أسماء عديد الشّعراء الأفذاذ لندرك جيّدا ، من هذه الخاتمة ، أنّ شاعرتنا منيرة الحاج يوسف تؤدّي دورها التّربوي حتّى في إبداعها ولم تتجرّد من دور الأستاذة المربّية التي تجمع بين العلم والأخلاق في صلب الفعل الإنساني عامّة والمجتمعي خاصّة لنتأكّد أنّها توظّف شعرها في خدمة الإنسان أي في صلب شعر معاصر يتفاعل مع الواقع الحياتي ، وهذا يرفع من شأنها ويكتب اسمها بحروف من ذهب في قائمة المبدعين / ات الذين أدّوا الأمانة كاملة ، ولهذا اشتهينا أن ندلي بدلونا ، فكتبنا هذا المقال الأدبي المختصر والمبسّط حتّى نعطي شاعرتنا حقّها ولو بما قلّ ودلّ وحتما سنلتقي معها في محطّة أخرى من مسيرتها الأدبيّة طالما اسمها مدوّن في كنّشي لأعلام الشّعر ، زدْ على ذلك أنّ جزيرة الأحلام جربة مرسومة في ذاكرتي ، وكلاهما يولد غبطة وبهجة وشعرا وصورة من الثّاني ، فشعر منيرة الحاج يوسف جميل وجزيرة جربة جميلة .