اخر الاخبارثقافة وفنونعمودقسم السلايد شو
حين يُباع الحلم مغلفاً بالبرستيج !

حين يُباع الحلم مغلفاً بالبرستيج..
فضاءات نيوز / بقلم – زهراء خلف
في أحد مراكز التسوق الفاخرة يقف المستهلك بأنبهارٍ أمام قميص أنيق معلق على شماعةٍ ذهبية كأنهُ قطعة أثرية من حضارةٍ غابرة يتأملهُ بأعجاب يلمس قماشهُ برهبة لكنهُ لايعلم ان هذا القميص ولدَ في مَصنع خانق على اطراف مدينة مزدحمة وسط صياح الآلات وتحت أنامل مُنهكة لا تتقاضى في اليوم مايساوي سعر الزر الأخير في ذلكَ القميص المُبهر ،ومن هنا يبدوا أن الحربَ بين القوتين العظيمتين لا تدور في أروقة السياسة فقط بل تمتد الى رفوفِ المتاجر وشاشات الهواتف وحتى تفاصيل ما نريدُ ونَستخدم بينما تعُرض علينا ماركات عالمية بلمعان أمريكي أوربي تحملُ تلكَ المُنتجات في حقيقتها توقيعاً صينياً خفياً وهذا التناقض الكبير يبين لنا (الهوية الغربية) للعلامة التجارية والمحتوى الصناعي الآسيوي يكشف لنا تساؤلات جدية،ما مدى صدق الشِعارات الأستهلاكية التي أعتدنا على تَصديقها؟ وكيفَ تخوض أمريكا حرباً أقتصادية ضدَ الصين في حين إن شركاتها الكبرى تَعتمد بشكل أساسي على المصانعِ الصينية ؟وهل ان أكذوبة الماركات العالمية مجرد خِداع أستهلاكي إم وجه آخر لصراع أكبر قائم على النفوذِ،السيطرة والربح،كيف يمكن لذلك الصراع ان يؤثر على الأقتصاد العالمي وخاصة الدول النامية؟ يظنُ البعض ان شراء ماركات عالمية فاخرة هو دليل على الذوقِ أو ربما النجاح الأجتماعي أو ببساطة (الأتنماء الى نادي النخبة)لكنَ الحقيقة المرة أن كثير من هذهِ الماركات التي تتباهى بجذورها الأوربية أو الامريكية تعتمد بشكل كامل على مصانع خارجية في دول ذات تَكلفة أنتاج مُنخفضة ،مصانع لا تعرف شيئاً عن الرفاهيةِ الا من خلال الإعلانات التي يراها عمالها على جدرانِ الطريق اثناء العودة الى منازلهم ،اما عن خِداع المستهلك حيث يُباع لكَ الشعور لا الشيء الأنتماء لا المادة الماركة لا القيمة ، إما المفارقة الأكبر لهذهِ الحرب الاقتصادية المشتعلة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين حيثُ تتبادلان العقوبات والتصريحات بينما تعتمد كبرى الشركات في الدول المُتنازعة على بعضها البعض لصناعةِ وتسويق هذهِ الماركات ،انها حرب تدعي المواجهة بينما يدير الأقتصاد ظهرهُ لها ويواصل ضخ الأرباح عبر مصانع هنا وأسواق هناك اما المتضرر الحقيقي من هذهِ الحرب الاقتصادية فهي الدول النامية التي تعد الأكثر هشاشة،حيث من الممكن ان تصبح هذهِ الدول ساحات للصراع الأقتصادي غير المباشر أو قد تتعرض لاضطراب في سلاسلِ الإمداد وَ أرتفاع أسعار السلع،وفي ظل التوسع العالمي للعلامات التجارية الكبرى وهيمنتها على الأسواق تبقى أكثر الدول تضرراً هي الدول النامية اذانها أكثر عرضة للتأثر بالشعاراتِ التجارية البراقة، والأقل قدرة على التمييزِ بينَ القيمة الحقيقية للمنتج وبينَ الهالة الإعلانية المصاحبة لهُ ، ويمكن ان نُجزم ان هذا الواقع ليسَ ثابتاً اذ ان بأمكان الدول النامية ان ترتقي بواقعها الأستهلاكي من خلالِ استراتيجيات متعددة تُسهم في كشف حقيقة ما يسمى (بأكذوبة الماركات العالمية) من بين هذهِ الأستراتيجيات تعزيز الإعلام المحلي وتسليط الضوء على خلفيات ِ الأنتاج وَ أساليب التسويق المضللة بالاضافةِ الى دمجِ مفاهيم الأستهلاك الواعي والعدالة التجارية في المناهجِ التعليمية لخلق جيل ناقد لاينخدعُ بالبريق التسويقي ، إما من حيث دعم الصناعة المحلية وَ ترويجها كبدائل حقيقية ذات جودة عالية يُسهم في تقليلِ الأعتمادالنفسي والثقافي على المنتجاتِ الغربية ، ولذلك فأن التغيير يبدأ من الوعي الفردي والمجتمعي ذلك الوعي لا يكون فقط بمقاطعة المُنتجات بل بأعادةِ تشكيل العلاقة بينَ المُستهلك والمعرفة وبينَ السوق والقيم الأخلاقية بما يحقق نمط أستهلاك أكثر عدالة ووعي ، ولذا ليس من الخطأ ان نشتري ما نحب لكن من الغباءِ أن نشتري الوهم بثقة فالعالم بدأ يتغير والمستهلك اصبحَ أكثر وعي ،ومع تسلل ِ الوعي للمستهلك شيئاً فشيئاً حيثُ انكشفت ظروف الأنتاج وأستغلال العمالة والتسويق المضلل بدأت بعض الاصوات ترتفع لماذا نلبسُ الماركة ولا نلبس الجودة فالماركات التي لا تتغير ستجدُ نفسها في يوم ما مُعلقة على شماعةِ التأريخ بجانب قميص نَسيه احدهم لانهُ لم يعد موضة.