اخر الاخبارقسم السلايد شوملفات
زيارة الاربعين ..في النص والتاريخ
هل من علاقة بين تاريخ الزّيارة والعدد "الأربعين" ؟
فضاءات نيوز – متابعة
أكّدت أحاديث الأئمّة عليهم السّلام على أهميّة زيارة الأربعين، حتى جعلها الإمام حسن بن عليّ العسكريّ عليه السّلام من سيماء المؤمن فقال: علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتّختّم باليمين ، وتعفير الجبين.
وهذه الزّيارة رواها صفوان الجمّال عن الإمام الصّادق فقال: قال لي مولاي الصّادق تزور الحسين عند ارتفاع النّهار وتقول.. ثمّ تلا الزّيارة.
وإذا كان الباحثون قد اختلفوا، إثباتاً أو نفياً، حول رجوع السّبايا إلى كربلاء في العشرين من صفر، فإنّهم اتفقّوا جميعاً على ورود جابر بن عبد الله الأنصاريّ إلى كربلاء لزيارة أبي عبد الله الحسين عليه السّلام في ذلك التّاريخ بعد استشهاده بأربعين يوماً، بمرافقة أحد كبار التّابعين، الذي يسمّيه البعض عطيّة والبعض الآخر عطاءً، ويحتمل أنّه عطية بن حارث الكوفيّ الهمدانيّ، وهو أحد كبار التّابعين الذين سكنوا في مدينة الكوفة.
ومن المعروف أنّ جابراً، هذا الصّحابيّ المشهور، شهد جلّ المغازي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وصحبه في السّرّاء والضّراء، وروى عنه الأحاديث الصّحيحة، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) نفسه يزور جابراً، وفي إحدى المرّات قال جابر لزوجته: لا تسألي رسول الله شيئاً. فقالت: يخرج رسول الله من عندنا ولم نسأله! فنادته: يا رسول الله صلِّ عليّ وعلى زوجي، فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك.
وقد سمع جابر أحاديث النّبيّ صلّى الله عليه وآله في حقّ الإمام الحسين عليه السلام ولمس مكانة الحَسنين عليهما السلام من قلب المصطفى، فلا عجب أن يتوجّه هذا الصّحابيّ الجليل، على كبر سنّه، إلى كربلاء عندما سمع بما حلّ بسبط النّبيّ صلوات الله عليهما.
وعندما وصل جابر إلى كربلاء، اغتسل بماء الفرات، ثم توجّه إلى قبر الإمام الحسين عليه السلام برفقة عطيّة العوفيّ، فأجهش بالبكاء، ثمّ صاح بصوت عالٍ ثلاث مرّات: يا حُسين، يا حُسين، يا حُسين…. ثمّ قال: حَبيبٌ لا يُجيبُ حَبيبَهُ وأَنّى لَكَ بِالجَوابِ وَقَدْ شُطِحَتْ أَوْداجُكَ عَلى أَنْباجكَ، وَفُرِقَّ بَيْنَ رَأْسِكَ وَبَدَنِكَ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ النَّبِيِّينَ وَابْنُ سَيِّدِ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنُ حَلِيفِ التَّقْوَى وَسَلِيلِ الْهُدَى وَخَامِسُ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ وَابْنُ سَيِّدِ النُّقَبَاءِ وَابْنُ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ وَما لَكَ ما تَكونُ كَذَلِكَ وَقَدْ غَذَّتْكَ كَفُّ سَيِّدِ الـمُرْسَلين، وَرُبّيتَ في حجْرِ الـمُتَّقين، وَرَضعْتَ مِنْ ثَدْي الإيمانِ وَفُطِمْتَ بِالإِسْلامِ، فَطبْتَ حَيّاً وَطبْتَ مَيتاً غَيْرَ أَنَّ قُلوبَ الـمُؤْمِنينَ غَيْرُ طَيِّبَةٍ بِفِراقِكَ وَلا شاكَة في الخيرةِ لَكَ، فَعَلَيْكَ سَلامُ اللهِ وَرِضْوانُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مَضَيْتَ عَلى ما مَضى عَلَيْهِ أَخوكَ الـمُجْتَبى ثمّ جال ببصره حول القبر، وقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَيَّتُها الأَرْواح التي حَلَّتْ بِفناءِ الحُسَيْنِ وَأَناخَتْ بِرَحْلِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزّكاةَ ، وَأَمَرْتُمْ بِالـمَعْروفِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ الـمُنْكَرِ وَجاهَدْتُمُ الـمُلْحِدينَ، وَعَبَدْتُمُ اللهَ حَتّى أَتاكُمُ اليَقينُ، وَالذي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالحَقِّ نَبِيَّاً، لَقَدْ شارَكْناكُمْ فيما دَخَلْتُمْ فيهِ).
فقال له عطيّة العوفي كيف؟ ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلاً ولم نضرب بسيف والقوم قد فُرّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأؤتمت أولادهم وأرملت الأزواج؛ فقال له جابر:(إِنّي سَمِعْتُ حَبيبي رَسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ يَقولُ: «مَنْ أَحَبَّ قَوْماً كانَ مَعَهُمْ وَمَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْمٍ أُشْرِكَ في عملهم» والذي بعث محمّداً بالحقِّ نَبِيّاً إِنَّ نِيَّتي وَنِيَّةَ أَصْحابي على ما مَضى عَلَيْهِ الحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَأَصْحابُهُ.
هل من علاقة بين تاريخ الزّيارة والعدد “الأربعين”
أيمكن أن تكون زيارة جابر لكربلاء في ذلك التّاريخ مصادفة، أم أنّ جابراً تعمّد زيارة الإمام الحسين في اليوم الأربعين بعد استشهاده لاعتبارات تتعلّق بزمن محدّد وعدد محدّد؟ هل تناهى إلى سمعه ما رواه الأئمّة عليهم السلام نقلاً عن رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عمّا له علاقة بالأربعين؟
يتكرّر ذكر العدد الأربعين في القرآن الكريم وفي الأحاديث الشّريفة، وكذلك في تفاسير كثيرة لآيات بيّنات عند المفسرّين على اختلاف مذاهبهم، فعلى سبيل المثال، ورد في القرآن الكريم:
﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾البقرة:51.
﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ المائدة: 26.
﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ الأعراف: 142.
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ الأحقاف: 15.
أمّا الأحاديث الوارد فيها ذكر “الأربعين”، فتكاد لا تحصى، واخترنا منها بعض ما له علاقة بالبكاء على الميت:
– عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحاً.
– عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنّه قال: إنّ السّماء بكت على الحسين أربعين صباحاً.
– عن الإمام الصّادق(عليه السلام) أنّه قال: إنّ السّماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدّم، والأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسّواد، والشّمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً، وما اختضبت امرأة منّا ولا ادّهنت ولا اكتحلت ولا رجّلت حتّى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده.
وفي تفسير آيات القرآن الكريم نجد تكراراً للعدد “الأربعين”، عند المفسّرين المسلمين، شيعة وسنّة، من ذلك ما رواه الطّباطبائيّ عند الحديث عن مقتل ابن آدم(عليه السلام) على يد أخيه وشرح الأسباب والنتّائج، في الآيات: 27، 28، 29، 30، 31 في سورة المائدة:«انصرف آدم يبكي على هابيل أربعين يوماً وليلة».
ومما قاله الماورديّ في “النّكت والعيون” في قوله تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِم السَّمَاءُ وَالأَرْضُ﴾ الدّخان/29: «أنّ السّماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحاً ؛ قاله مجاهد».
ومن لطائف المعارف التي أوردها وِل ديورانت Durant Will في موسوعة: قصّة الحضارة في حديثه عن زراعة الزّيتون في اليونان القديمة:«أنّ شجرة الزّيتون لا تُؤتي أُكلها إلّا بعد ستّة عشر عاماً من زرعها، ولا يُكتمل نُموّها إلّا بعد أربعين».
هدم قبر الحسين(عليه السلام) وتبيان موضعه بعد أربعين يوماً
عندما هَدم المتوكل القبر الشّريف، ظنّ وأعوانه أنهم بهذه الطّريقة سيحولون بين النّاس وبين زيارة الإمام الحسين عليه السّلام.
صحيح أنّ رجال المتوكّل منعوهم من الاقتراب من ذلك الموضع الشّريف، ونكّلوا بمن تحدّاهم، إلاّ أنّ العناية الإلهيّة تدخّلت فلم يندرس المكان، وعُرف موضع دفن الإمام عليه السّلام، فقد ذكر ابن كثير(ت 774 هـ) في البداية والنّهاية، ج11/580:«أنّ الماء لـمّا أُجري على قبر الحسين لِيُمَحى أثره نضب الماء بعد أربعين يوماً، فجاء أعرابيّ من بني أسد، فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمّها حتى وقع على قبر الحسين، فبكى وقال:بأبي أنت وأمي، ما كان أطيبك وأطيب تربتك!! ثم أنشأ يقول:
أَرادوا لِيَخْفوا قَبْرَهُ عَنْ عَدُوِّهِ فَطيبُ تُرابِ القَبْرِ دَلَّ عَلى القَبْرِ»
ويروي الأصفهانيّ(ت 356هـ) في مقاتل الطالبيّين، ضمن “ذكر أيّام المتوكّل ومن ظهر فيها فقتل أو حبس” فيقول:«(…) محمد بن الحسين الأشنانيّ، قال:بَعُدَ عهدي بالزّيارة في تلك الأيّام خوفاً، ثمّ عملت على المخاطرة بنفسي فيها، وساعدني رجل من العطّارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النّهار ونسير اللّيل حتّى أتينا نواحي الغاضريّة، وخرجنا منها نصف اللّيل فسرنا بين مسلحتين، وقد ناموا، حتّى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشمّه ونتحرّى جهته حتّى أتيناه، وقد قلع الصّندوق الذي كان حواليه وأُحرق، وأُجري الماء عليه فانخسف موضع اللِّبن وصار كالخندق، فزرناه وأكببنا عليه، فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط كشيء من الطّيب، فقلت للعطّار الذي كان معي: أيّ رائحة هذه؟ فقال:لا والله ما شممت مثلها كشيء من العطر، فودّعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدّة مواضع.
فلمّا قُتل المتوكّل اجتمعنا مع جماعة من الطّالبيين والشّيعة حتّى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه».