اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو

” قصة قصيرة ” …..نافذة على الحياة : أعقاب سجائر

 

قصة قصيرة / للقاص نعمة يوسف 
 
عبد الله شاب في مقتبل العمر , وصل الى أوربا هارباً من الجحيم , جاء من بلد دمره الخراب وعبثت فيه الحروب وتشتت عائلته . بعد أن صار كل فرد في مكان .
دخل مدرسة لتعليم اللغة , ولكونه منكوب ، حصل على فرصة عمل يعيش من خلالها .
مع إنبثاق الفجر في سكونه وخشوعه كان يخرج للعمل من شقته الواقعة في حي جميل جداً والتي تطل على بحيرة رائعة وحدائق غناء , وغابة تجمع الطيور والعصافير والبط والوز ونوافير متعددة ..
أمام هذا المنظر الخلاب كان عبد الله ينتظر حافلة العمل التي تأخذه مع العمال للمصنع الذي يعمل فيه !
عند المساء يعود من العمل , قبل الصعود لشقته في (العمارة ) المبنى الذي يتكون من خمسة طوابق يفتح صندوق البريد ليطلع على الرسائل التي تأتي اليه ..
ولإول مرة وبدهشة غريبة وجد ( زبالة ) في صندوق رسائله , وهذه الزبالة عبارة عن (( أعقاب سجاير)) !
إنزعج وتذمر , وأعتقد مع نفسه إنه الأجنبي الوحيد في هذه العمارة وعليه مغادرتها , ظناً منه بوجود عنصرياً يتعامل معه بهذا الأسلوب الذي يمارس ضده !
تكررت الحالة لمرات عديدة ، لذلك قدم شكوى للشرطة في هذه القضية التي بدأت تخيفه ! كي تحميه .
وفعلاً الشرطة بدأت مهمتها تراقب العمارة والصندوق بعد خروج عبد الله فجراً للعمل !
ثم .. في أول يوم , وبعد صعوده للحافلة التي تنقله للعمل , الشرطة عرفت الشخص الذي يفعل هذا الفعل !
بعد ذلك بإسبوع واحد فقط ، وحسب الإجراءات الرسمية : وصلت له رسالة إستدعاء للحضور الى المحكمة , مع تبليغ فيها : وجدنا المتهم الذي يضع الزبالة في صندوق البريد .
استغرب عبد الله من هذه الرسالة التي تدعوه للحضور للمحكمة وإلقاء القبض على المتهم !
بالمحكمة وقف عبد الله أمام إمرأة عجوز تناهز الثمانين سنة في عمرها!
أمام القاضي إعترفت المرأة بانها تضع أعقاب السجاير بصندوق الرسائل خاصته من دون تردد.
وبنفس الوقت قالت كلمتها الى عبد الله وللقاضي :
أنا أريد أقدم شكوى ضدك لا أتنازل عنها !
تعجبا معاً عبد الله والقاضي !
قال لها القاضي كيف ؟
قالت المرأة العجوز :
كل يوم , فجراً , أرى من نافذتي , هذا الرجل يدخن سجائره ويرمي أعقابها على الأرض , ويزبل , ويوسخ الرصيف النظيف في فترة انتظاره للحافلة التي تأخذه للعمل !
وأنا بعد ذهابه أنزل من شقتي أنظف الرصيف , أجمع ( أعقاب السجائر ) وأضعها في صندوق رسائله عقاباً له ربما يدرك ذلك فيما بعد . لكنه لم يدرك ذلك , إلا هنا وأمام الجميع .
وأنا هنا أمام المحكمة لا أتنازل منه إلا أن يقطع الدخان ! ويعتذر .
وأن لايفعلها بعد !
رفعت الجلسة للمداولة . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق