اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو

محمد الذهبي يوثق الثورة بـ” طلاسم المدينة”

(أنا أخشى الأماكنَ المرتفعة ..وحين أصعدُ اليها أضعُ يديَّ فوقَ عينيَّ ..كي لا أرى الناسَ صغاراً )

 

– محمد الذهبي

فضاءات نيوز – سامر الخزعلي 

عن دار الفيحاء للطباعة والنشر , صدر حديثا كتاب ” طلاسم المدينة ” للكاتب والروائي  محمد الذهبي ,  .

وتأت أهمية الكتاب من أهمية أختيار الكاتب لمدينة  استثنائية بكل شيء , مدينة الثورة ” مدينة الصدر ” حاليا  , قطاع 55 , هذا القطاع الاكبر في المدينة والاكثر تميزا من بين القطاعات  , لما  يضم من أسماء مهمة تركت بصمة على صعيد الساحة العراقية والعربية وحتى العالمية ,  على الاصعدة كافة , لاسيما الثقافية والفنية والرياضية , والاجتماعية لذا يعد الكتاب  وثيقة حية ومتحركة زمنيا للمدينة ” وتحديدا قطاع ” 55″ . ,  واذا كان  “الرأس عاصمة الجسد ” /  , فأن المدينة هي رأس جسد العاصمة بغداد , لما تمتلكه من معطيات وأمكانيات قد لاتتوفر في جميع المدن العراقية الحبيبة ,  كذلك لأمتلاكها تأريخا حافلا بالجهاد والبطولة والتضحية ,  فذاكرتها مازالت تختزن مئات الصور  البطولية والجهادية والايثار والوفاء   , وصور الألم والفقر والدموع , الا الفرح فمساحته قليلة جدا بيد انه لايذكر .

حاول الكاتب الذهبي توثيق بعض الاسماء المهمة التي خرجت من هذه المدينة العملاقة , ومن هذه الاسماء : ( الخبير  شمخي حويط  رئيس القسم الاقتصادي في منظمةِ الأُوبك ,  الفنان التشكيلي العالمي  د صبيح كلش , والفنان العالمي عماد نافع مؤسس مدرسة ” المستشكيل , والشاعر الكبير محمد تركي النصار , والكاتب والباحث القدير د علي مزبان , والخزاف الكبير عيسى جاسب , والنحات العالمي موسى جاسب , والدكتور ناصر الحسني – طبيب الباطنية والاطفال – وأسماء مهمة كثيرة , أفرد لها الكاتب مساحة جيدة, ولم يغفل محمد الذهبي , الموروثات والاماكن الشعبية , التي كانت تميز المدينة نذاك , لاسيما يوم العاشر من محرم الحرام ” عاشوراء ” او مايسمى ب ” الحجة ” ,  حيث  يسهر أتباع اهل البيت ع , الى الصباح تضامنا مع الامام الحسين ع وعائلته وأصحابه ” شهداء الطف ” , ومن الاماكن الشعبية هي المقاهي التي كان يرتادها المثقفون والشباب عامة , ومنها ” مقهي صري ” و ” مقهى سيد موات” ,,.

يقول الكاتب محمد الذهبي في مقدمة الكتاب :

آثرتُ أنْ أكتبَ مقدمة هذا الكتاب ، لأنني اتصلتُ بصديق فوضعني على نار هادئة ، وفي دور النشر العالمية هذه التفصيلة الدقيقة هي من مهمات الناشر الرئيسة بعد أنْ يقرأ الكتاب بروية ويقرر نشره من عدمهِ ، البعض يأنف من مشاركة الآخرين أعمالهم لأغراض شتى منها ، الاسم اللامع والصورة التي تضع وسائل الإعلام ميداناً لنجاحها وهي لا تمثل شيئاً في حسابات الأدب الحقيقية ، وبعضها الآخر منتفخة لفراغات عدة ، بل الأمر أعمق وأكثر ايلاماً حين ترى أحدهم يأنف أن يوضع اسمهُ بين أسماء شخصيات الكتاب المنبعثة من تراب الثورة المفخور بحرارة الشمس مع الجوع الأزلي الذي كانت علاماتهُ الفارقة الهزال والمرض ، ونسي أنها مدينتهُ ونسي أنهُ في نهاية المطاف يطلب طلباً واحداً لاغير ، يريد أنْ يدفن في التراب ذاتهِ ويأنف أن يدفن في ترابٍ غريب عنهُ ، كيف لهُ أن يضعَ اسمهُ مع بسيهي وشليحي وجولان وفطيسه وزعنو ، متناسياً أنَّ هؤلاء أبطالاً حقيقيين وليسوا مثل أبطال هوليود الورقيين ، ولذا ولكل هذه التداخلات المزعجة رأيتُ أنْ لا أكلف أحداً بكتابة شيءٍ ولا أطلبُ من أحدٍ أن يساعدني في وضع اسمه مع الأسماء ، أبطال ذاكرتي بهم الكفاية وهم ملح الأرض وتاريخها الناصع ، هؤلاء الذين تكلمتُ عنهم سحقتهم الحياة بشكلٍ وحشي فكانت حيواتهم فخاً نصبهُ القدر لهم فغادروا مظلومين ، فقراء ، وربما يكونون في بعض المفاهيم منبوذين ، إعدامات وقتل والموت من المرض إلّا قليلاً منهم وهؤلاء أبطالٌ لشيءٍ جوهري ، في أنهم استطاعوا أنْ يخترقوا حُجُبَ هذه الغمامة التي ظللت الفقراء منذ الوزيرية والشاكرية والعاصمة والمجزرة والتي استمرت تلقي بظلالها عليهم بعد أن هبطوا الثورة آمنين بعهد الزعيم عبد الكريم قاسم الذي رأى أن من واجبهِ أن يضعَ الفقراء بمكان واحد ، ليس لمحاصرتهم وإنما لجعلهم قوةً كبيرةً في وجهِ الطغيان والظلم والبشاعة ، ولذا ضاق من حكم العراق بعد عبد الكريم قاسم بالثورة ذرعاً وبدأت مرحلة طمس اسم هذه المدينة الذي بقي عصياً هو الآخر فلم يخضع للتغيير وخصوصاً في أفواه الطيبين ، ولا أدري على لسان من سمعت هذا القول : الثورة ومنها الثورة ، وبالفعل أقضّتْ مضاجع الطغاة وكلفتهم الكثير من الجهد والتعذيب والمراقبة والدوائر الأمنية ، لا تجدُ كمّاً هائلاً من طلب المعلومات إلّا في الثورة ولا تجد مقاراً حزبية وأمنية بعدد الدوائر الأمنية والحزبية في الثورة ، حتى أنهم في التسعينيات وضعوا المخابرات في المحال التجارية ، وكل محل حلاقة كان يجلس فيه رجل أمن وهذا شاهدتهُ بعيني وكل زقاق أو اثنين بمسؤولية ضابطٍ من الأمن ، أضف الى هذا الحرب الشعواء التي واجهها أبناء الثورة في الثمانينيات في الوحدات العسكرية ومراكز التدريب ، فقد كانوا بكل الأحوال طعاماً للحرب في السواتر الأمامية ومع هذا لم يسلموا من التقارير والمعلومات والتحقيق في التوجيهِ السياسي للوحدات ، أبطال حقيقيون لم يسلط الضوء منصفٌ عليهم ولم يتقربْ أحدٌ الى ساحتهم ، وهذا قطاع كبيرٌ جداً من قطاعات كثيرة في تقسيم الثورة الى قطاعات وبلوكات ، قطاع 55 القطاع المتأجج الذي يمتلك الكثير من المثقفين والفنانين والثوار وأصحاب الشهادات العليا والفقراء والمجانين والشقاوات والهاربين من الخدمة العسكرية الإلزامية ورجال الدين والملحدين والشباب الذي يناقش قضايا مهمةً جداً في حينها ويمتلك الكثير من المقاهي والمقرات الحزبية ، القطاع الذي حولتهُ الدولة في السبعينيات الى مركز للنفايات ، نفايات المدن المرفهة التي نبحثُ فيها عن لقىً ثمينةٍ ، ونعود بجرح من زجاجة أو كدمة من سيارة ، بيوت الثورة باردة وغير محمية ، حتى أن رحيم مطشر أوغيره ، قال : ( بيوت الثورة مثل قطع الدومينو ، بس تهدم أول واحد يوكعن الباقيات ) ، وكانت من أجمل البيوت ، لقد لاوى أهل الثورة الحياة بشدة وكانوا الثورة فعلاً التي رفدتْ الأجيال المقبلة بالكلمة الصادقة في أغاني السبعينيات الشجية ، واستمرت في عطائها فهي النسخة الأصلية من فقراء الجنوب الذين لم يجدوا شيئاً ليتركوه ولذا غادروا الجنوب باتجاه بغداد ، ليعيشوا في بداية الأمر مع ( اشطيط ) ، ولينصفهم الزعيم في تحقيق انسانيتهم ويسكنهم بيوتاً من طابوق واسمنت بعد البيوت الطينية التي طالما ماعت مع مياه الأمطار الغزيرة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق