اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو

رثاء لشاعر أعزل الا من قصائده

 

فضاءات نيوز …….. جواد الحطّاب
.
شذره الكرامه / ومحبس الانسان
وبيهه شكد محابس/ ذبت الشذره
(س. ص)
..
ر
لا أظنّ ان شاعرا أحب الحياة بقدر ما احبها سمير صبيح، واعتقد – بنفس الظن ايضا – ان الحياة قد احترمته هي كذلك الى الحدّ الذي رافقه احترامها الى اللحظات الأخيرة من رحيله الفاجع ..
.
دعوني اطلب منكم ان تنظروا الى صورته وهو يرقد رقدته الأخيرة، وقارنوا بينها وبين العديد من صوره التي تملأ الانترنيت او مواقع التواصل الاجتماعي ، او المقاهي والملتقيات التي تحبّه وتحب قصائده، هل ترون فرقا كبيرأ بين الصورتين ؟
على الاطلاق لا، الا في القليل القليل من التفاصيل ..
.
عادة، او في الغالب الأعم، نرى الاشخاص الذين يقتلون بسبب حوادث السيارات، ومفاجآت الطرق، في هيآت تبعث على الاسى، والشفقة من حيث التشوّهات الجسدية التي تسببها الحادثة، وتكسّر الأعضاء، وانفلاق الجمجمة او اندلاق الأمعاء وانفجار الشرايين والأوردة، وكإنما هذا الجسد البشري الذي خلقه الله في أحسن تقويم، قد تعرّض الى موآمرة شيطانية حوّلته الى “سكراب” انساني لا غير ..
لكن هناك من يرحل بالفجيعة ذاتها، وكأنه في هدأة نوم ، او انه ينتظر هاتفا قادما لينهض .. وهذه حالة يمكن ان نعزوها الى احترام الحياة للراحل، والى تقديرها لكينونته الانسانية التي كان عليها، ويمكن ان اضرب مثلا بصورة سمير في رقدته الأخيرة .
.
انظروا اليه على ” السدية” وترحموا طويلا على روحه الطاهرة النقية، جسد كامل بلا ضياع يد، او تكسّر اضلاع، او انفلاق جمجمة، بالرغم من ان الحادث الذي تعرّض له لم يكن سهلا بكل مقاييس السلامة والأمان او الخطورة حتى تلك التي يصمّمها محترفوا حوادث السينما العالمية..
.
“وجه معافى” راقد بسلام
و”اعضاء كاملة” تلك التي كان يسير بها سمير بكامل هيأتها المجبولة بالمرح والضحكة وانتظار النكتة القادمة، او المقلب المتوقع ..
هذا هو سمير، ابن الحياة، وصاحبها، وعاشقها الذي اعطاها الكثير من روحه، ومن ابداعه، وقدّمها للفقراء – تحديدا- معجونة بالأمل، والكفاح من اجل غد قادم ، غد أبسط ألوانه في لوحاته الشعرية هو الكرنفال المرافق لقوس قزح ..
ولذلك بادلته الحياة المحبّة، وخلّدت ذكراه في ذائقة عشاق الجمال، ومنشدي الحرّية.. وسيبقى صوته الهادر هكذا ما بقي الفقراء بحاجة الى كلمة ..
.
2
عرفت الكثير من الشعراء – وتحديدا الشعبيين- ورافقت منجزهم، واطلعت على الكثير من مواقفهم في الشعر، وفي الحياة، وبيقين كامل يمكنني القول : ان قلة منهم قد نافسوا سمير صبيح في الشجاعة، وفي التصريح المعلن– وبعالي الصوت- ضدّ كل ما يهدّد العراقي الباحث عن مساند له في ازماته، وضدّ الظلم الذي يحيق به.. ومن أيّ جهة كانت.
في تلك المواقف لا تحتاج الى ان تبحث عمن ينوب عنك في القتال ضد الظلمة وسرّاق المال العام، لأن سمير صبيح حاضر، وهو الصوت المهاجم للاحزاب والسياسيين، والحكومة، والدول، والأقدار، لأنها لم تنصف إنسان هذه الأرض، ولم تعطه حقّه في العيش الكريم، وهو ابن اغنى بلدان العالم ..
.
وبعيدا عن الشجاعة العامة، ثمة شجاعة شخصية تولد بنت لحظتها، ويتخذها سمير بعفوية هي امتداد لشجاعته في مواجهات الوضع العام ..
.. اذكر مرّة انني دعيت لحضور احتفال كبير اقامته احدى الوزارات السيادية، لمناسبة تريد ان تمجّد تاريخها من خلاله، لذلك حجزت قاعة فخمة في احد الفنادق الكبرى، ونشرت الزينة والأعلام في ارجائها، واستدعت الجوق الموسيقى الرسمي لعزف النشيد الوطني، ونشرت هيأة استقبال بملابس لائقة، وكان حضور كبار الشخصيات المدعوّة منسابا بكثافة وبما يليق بأهمية الإحتفالية ..
.
كان اسمي موضوعا على كرسيّ في الصف الأمامي، باعتباري مدير مكتب ” قناة العربية” في العراق .. ومعي من معي كانت..
بعد انتهاء المراسيم الرسمية المعتادة في الاحتفالات، جاءت فقرة الشعر، ودعي سمير لإلقاء قصائده الملتهبة حبا ووطنية، ومن على المنصة، وبما لا يمكن ان يقوم به أيّ شاعر آخر، فصيح او شعبي، حين رآني “ابو علي” امامه مع الضيوف، وقبل ان يرحب بالوزير السيادي، وبالمسؤولين الكبار، والشخصيات البرلمانية: قال مرحبا بي : الشاعر الكبير جواد الحطاب مشرّفا الاحتفال بالحضور، فاهلا وسهلا وستكون اولى قراءاتي مهداة له ..!!
.
هذه المبادرة هل يفعلها شاعر آخر ؟!! مهما بلغت جرأته وشجاعته باكبار اصدقائه، دون الانتباه الى ان اكباره هذا، وبهكذا وسط، وبهكذا مدعويين، وبهكذا مناسبة، ربما سيسحب منه التكريم المادي المتوقع، او المتفق عليه مع الجهة الراعية .. لكنه سمير، الفتى السومري الذي تتأصل بداخله كل عنفوانات الشموخ والإنتماء لأهله، وناسه .
.
3
حديثي سيطول اذا فتحت ذاكرتي عمّا تختزن من ذكريات مع هذا الولد العذب والشاعر الفذ، ذكرياتنا سواء داخل العراق او خارجه..
ومثل بسيط..
يوم قدنا لجان التحكيم بمسابقة ” امير البيان” التي اقيمت في الأهواز العربية، كان هو والشاعر المبدع ناظم الحاشي عن الشعر الشعبي، والاكاديمي الكبير، الشاعر والناقد الدكتور حازم هاشم، وانا .. للشعر الفصيح .. في حين كان تحكيم الالقاء والتفاعل مع المفردة للكبير الدكتور ميمون الخالدي ..
.
وغالبا ما تذكر الكتب بان ” السفر” هو المحكّ الذي يمكنك ان تقيّم الناس به، وهو من يكشف لك دواخل الرفقاء ..
وأشهد اني لم ار اروع من سمير ولا اجمل عشرة، ولا اكثر كرما، ولا تطوّعا لخدمة اصدقائه، بحيث كان كل ما نحتاجه نراه يحضره في الليلة نفسها !!
أما كيف، ومتى، ومن أين ..؟
فهذه اسئلة لا يجب ان نطرحها في حضرة سمير، ولا نفكّر بدفع مستحقاتها او الدخول في نقاش حول تكلفتها .. فهو ابو علي !!
..
ساتفرغ للكتابة ثانية، ليس لتأبين هذا الشاعر الأصيل، “ابو المواقف” والانتفاضات، وخوّاض المعارك العادلة، والمنصف الذي لا يجارى حتى مع خصومه الذين يجتازون خطوطة الملوّنة ويصفح عنهم بطيبة قلب نادرة..
.
سمير صبيح
اخي ابو علي
:
ايها الفاتن ..
والروح التي ستبقى تطوف في سماء الوطن، وتحضر في اماسيها وملتقيات الأصدقاء ..
المجد لك، والخلود الذي تستحقه، حين تحتفي بك كل محافظات العراق، وبما لم تفعله مع ايّ شاعر آخر ..
ولم يكن هذا سوى اعتراف بمنجز، وبحضور بهيّ، وسيبقى بهيّا ما دامت المفردة الشعبية حيّة ودافئة .
.
استدراك
……….
هذه الكتابة مهداة الى : الشاعر والناقد الدكتور حازم هاشم
استكمالا لإستذكاره الذي ابكاني حديثه عن صديقنا المشترك سمير صبيح .
.
صورة ملحق جريدة الصباح نقلا عن المحرر في الملف الشعبي والذي كان وراء هذه الاستذكارات الشاعر المبدع جليل صبيح ..
.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق