اخر الاخبارقسم السلايد شوملفات

رمضان والدور التربوي للنفس

  • فضاءات نيوز 

لا شك في أن شهر رمضان معلم مهم في تربية النفس، ففيه من العبادات والأعمال الصالحة ما يجعل النفوس تنقاد إلى رب العالمين، فتزكو النفوس، وتطهر القلوب، وتعيش الأرواح أجواء إيمانية مفعمة بالبركات والرحمات. ومما قيل من روائع الكلام عن دور شهر رمضان في تربية النفس، ما كتبه الإمام ابن القيم رحمه الله، حيث قال: “لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى متوقفاً على جمعيته على الله ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى، وكان فضول الطعام والشراب وفضول مخالطة الأنام وفضول الكلام وفضول المنام مما يزيده شعثاً، ويشتته في كل وادٍ ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه أو يعوقه ويوقفه اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه؛ بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه؛ فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم” .

ورغم الدور التربوي لشهر رمضان، إلا أن هناك ما يضعف تأثير الصيام والأعمال الطيبة عند كثير من الناس، فلا يستفيدون من رمضان، فيخرجون منه كما دخلوا فيه، وفي أحيان كثيرة تكون المعاصي مؤجلة فقط لما بعد الشهر، فلم يتركوها ويبغضوها ويتوبوا إلى الله منها، بل هي فقط مؤجلة لما بعد رمضان، والسبب الرئيس في هذا هو إلف العادة! إلف العادة من الآفات الخطيرة: إن من أعظم آفات العبادات: آفة الإلف والعادة، فعندما يعتاد المرء العبادات وتصبح جزءاً من برنامجه اليومي كالصلاة، والأسبوعي كالجمعة، والسنوي كرمضان والحج؛ تتحول هذه العبادات إلى مجرد أفعال وأقوال متكررة لا تضيف جديداً إلى حياة الفرد. وإن من يدقق النظر في ركن الدين الأعظم بعد توحيد الله تعالى، وهو الصلاة، التي وصفها الله سبحانه بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر فقال سبحانه: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ‌ وَلَذِكْرُ‌ اللَّـهِ أَكْبَرُ‌) [العنكبوت: 45]؛ يجد أنها تحولت إلى عادة من العادات عند كثير منا، فأصبحت لا تنهى عن الفحشاء ولا المنكر! بل صارت أشبه بجهاز تسجيل، يكبر المسلم ليدخل صلاته، فيكرر لسانه المحفوظات التي اعتادها بلا تفكير منه فيما يقرأ ولا تدبر لأذكارها، ويخرج منها كما دخل، فلا خشوع ولا خضوع ولا قرب، إلا من رحم الله تعالى. وكذا في صيام رمضان، فالملاحظ أننا في كل سنة نستقبل شهر رمضان ثم نودعه، نسمع قبله بقليل عن فضل هذا الشهر وأهميته ومكانته، وما يجب علينا من اغتنامه، حتى حفظ الناس أحاديثه وآياته، فلم يتدبروها ويفكروا فيها، ثم بعد رحيله نسمع كذلك بعض المواعظ في وداعه والحزن على فراقه، حتى أصبح ذلك الأمر عادة تعودناها وقضية ألفناها؛ عبر أحداث رتيبة تتكرر علينا في السنة وفي الشهر وفي الأسبوع وفي اليوم. ولئن كان الاعتياد على كثير من شؤون حياتنا الدنيوية مقبولاً، فإن من غير المقبول أن ينسحب ذلك على عباداتنا التي نتقرب بها إلى الله سبحانه. لذلك ينبغي لنا أن نتذكر جيداً أن من آفات العبادات الخطيرة العظيمة أن تتحول العبادة إلى عادة، يؤديها الواحد منا دون أن تترك أثراً في نفسه أو سلوكه. عبرة تربوية في استقبال رمضان: قبل عام ودعنا شهر رمضان، ثم ها هو يقبل الآن، وربما لم يشعر كثير منا بقيمة الزمن الذي طويت فيه الأيام والشهور، وأننا مسافرون إلى الله، ولكل عبد نهاية ولا بد، قال الله تعالى: {وَأَنَّ إِلَىٰ رَ‌بِّكَ الْمُنتَهَىٰ} [النجم: 42]. وقد ذكر ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون الأودي أنه قال: قام فينا معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال: “يا بني أود، إني رسول رسول الله إليكم، تعلمون أن المعاد إلى الله، إلى الجنة أو إلى النار”.

. وإن مما يجب على العبد المسلم أن يبحث عن الزاد الذي يقربه إلى الله تعالى؛ حيث إن الطريق موحش وطويل، ولا بد فيه من زاد، وقد جعل الله تعالى شهر رمضان لتطهير القلوب من الخطايا والعيوب وغفران الذنوب، فهل استقبلنا رمضان بتوبة تغسل عنا الذنوب؟! ومن ثم يزال الران من القلوب فنحسن اغتنام أيامه، لنخرج من رمضان بلا ذنوب، وما أدرانا فقد يكون رمضان الأخير في حياتنا.. فاغسل ذنوبك قبل مماتك. ومع الأسف، فإن من الناس من يستقبل الشهر بعدم اهتمام وعدم اكتراث، كأنه شهر من الشهور، وقد أخطأ من لا يفرق بين رمضان وغير رمضان، وأن يجعل يوم صومه كيوم فطره. وهناك من يعرف للشهر فضله ومكانته، لكنه لا يستقبله بتوبة نصوح، وعزم أكيد على الاستقامة في أيامه ولياليه، بل يستقبله بفتور وعدم جدية وقلة نشاط. ومن المعالم التربوية لشهر رمضان ما يلي: تربية النفس على التقوى: تدريب النفس على تحقيق التقوى والخوف من الله سبحانه وتجنب مساخطه والالتزام بطاعته؛ من أسمى أهداف فريضة الصيام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. قال الإمام الرازي: “بين سبحانه بهذا الكلام أن الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى؛ فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذات الدنيا ورئاستها؛ وذلك لأن الصوم يكسر شهوة البطن والفرج، فمن أكثر الصوم هان عليه أمر هذين وخفت عليه مؤنتهما، فكان ذلك رادعاً له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهوناً عليه أمر الرياسة في الدنيا وذلك جامعٌ لأسباب التقوى فيكون معنى الآية فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم في كتابي” .

تربية النفس على التوبة:

عبر عام طويل يحمل العبد على ظهره العديد من الذنوب والمعاصي ويقع في مخالفات كثيرة، والذنوب تميت القلوب، وغبارها يزكم الأنوف، وإذا اعتاد العبد الذنب استسهله وخاض في غماره، فيظلم قلبه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا أخطأ خطيئةً نكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله {كَلَّا بَلْ رَ‌انَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق