اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو

المقاهي الشعبية .. منتديات للثقافة وحلقة تواصل إجتماعي

مقاهي بغداد .. شواهد تأريخية لتحولات سياسية واجتماعية وثقافية

 

تحقيق /علي صحن عبدالعزيز
تصوير/علي الذهبي
يخطئ من يحسب إن إرتياد المقاهي الشعبية هو لغرض التسلية وقضاء الوقت ، وحقيقة الأمر أنها بعيدة عن هذا الغرض ، فلقد إضطلعت بدور كبير ومتنامي في إبراز التراث البغدادي على وجه الخصوص والعراقي بشكل عام، من خلال تنمية العلاقات الإجتماعية وتفعيل دور المثقفين بالمشاركة في جميع الفعاليات الثقافية والدينية والوطنية ، وتعد المقاهي الشعبية في شارع الميدان بإتجاه المتنبي ملتقى للكثير من رواد الأدب والثقافة ، حيث تشاهد فئات مجتمعية وطلبة الكليات أيضا ،وهم يتناولون الأحداث السياسية الساخنة والمشهد الثقافي وسط تجاذبات وآراء شتى.
(فضاءات نيوز  ) كانت لها جولة إستطلاعية في تلك المقاهي ،لتوثق أطراف الحديث مع بعض زوارها وإصحابها .
مقهى أم كلثوم
يوسف حمد المرسومي /صاحب مقهى أم كلثوم :تأسست هذه المقهى في بداية عام 1953 وكان موقعها الأصلي في الإدارة المحلية في باب المعظم ،والتي هي حاليا وزارة الصحة ،ومن ثم إنتقلت إلى بناية مقابل وزارة الدفاع في عقد الستينيات ،إلى أن جاء حملة الأعمار لتستقر نهائيا منذ عام 1970 في هذا المكان ،وكان أول مؤسسيها عبد المعين الموصلي وقد زار أم كلثوم أكثر من مرة وأخبرها بتسمية المقهى بأسمها ،وجميع روادها من الشعراء ومنهم سعيد العبيدي ومظفر الجميلي وراسم العاني ومحمد المعاضيدي وطلاب الكليات والأدباء بالإضافة إلى بقية فئات المجتمع ،وتمتاز هذه المقهى عن بقية المقاهي بعرض أغاني أم كلثوم ومنها (الأولى في الغرام ) حيث أبدع فيها الشاعر بيرم التونسي ،كما أن هذه الأغنية تشعل ذكريات أغلب الشعراء وتهيج ذكريات شبابهم.

 


النكهة البغدادية
حسين الهاشمي : تعتبر جميع المقاهي بالإقطار العربية عموما والعراق بشكل خاص عبارة عن مجتمع مصغر ،حيث يكون روادها إنعكاس حقيقي للمجتمع الخارجي ،وهنالك نقطة مهمة حول دور هذه المقاهي في (المئة سنة) التي خلت ، وتفيد الكثير من المصادر التاريخية بأن شعلة الثورات والمظاهرات والأصوات التي صدحت ضد الظلم إنطلقت من داخل هذه المقاهي والنخب الموجودة فيها ،وتجتمع ضمن الرقعة الجغرافية أبناء المنطقة ،إلا أن واقع الحال قد تغير بشكل كبير بعد عام 2003 ،حيث دخلت الكثير من التقاليد التي أصابت المجتمع بالتشويش وكثرة الخيارات ،ولذلك نادرا ما نجد إعداد من مرتادي المقهى متفقين على فكرة واحدة ،وهذه الأمر طبيعي جدا بسبب حرية التعبير عن الرأي ، أما بشأن الرأي أن المقاهي أصبحت مكانا للتسلية أو ما يسمى (المسامر) فهو أمر شخصي ويعنيهم بالدرجة الأولى ، لكننا نطمح أيضا بالمحافظة على هذه النكهة البغدادية ،لأنها تحمل العمق التاريخي لمدينة بغداد ،وجميع المقاهي في منطقة الميدان وشارع الرشيد لا يقل عمر الواحدة منها عن (75) سنة ،وهنالك بعض الألعاب الشعبية مثل الدومنة أو الطاولي والشطرنج يمكن مزاولتها داخل المقهى .

 


حلقة تواصل إجتماعي
المحامي فارس الخالدي : بكل تأكيد تمثل المقاهي حلقة في تعزيز الإواصر الإجتماعية ،ولطالما كنا نسأل عن أحد روادها لغيابه حتى نجتمع لزيارته وتفقده ، كما أنها كانت بمثابة مركز عمل لأصحاب المهن وحتى المحامين الذين ليست لديهم مكاتب محاماة ،وعندنا في مدينة الفلوجة مقاهي تقع على ضفة الشاطئ ،يتم فيها حل مشاكل أبناء المنطقة وبحضور شيوخ العشائر ،بشكل ودي وبتناول (إستكان الشاي ) بينما لو تطورت هذه المشاكل عن طريق المحاكم فأنها ستأخذ وقتا طويلا لحلها، كانت المقاهي في النظام السابق تمثل ضوء بغداد ومنها مقهى (جزيرة عرب) ومثلها القهوة البرازيلية بشارع الرشيد ،حيث يتواجد ثلة من المثقفين بكافة أطيافهم ، والدولة كانت تدعم تلك المقاهي بإمتيازات خاصة مثل التلفزيون ووسائل التبريد وغيرها ،هذه المقتنيات التراثية أصبحت الآن عرضة للتفليش والهدم ،والمفروض من الدولة الآن إن تحميها كما فعل صاحب مقهى الشابندر بالمتنبي والتي تأسست سنة 1917،فعلى الرغم من غزارة المكتبات المجاورة لها ،إلا أن صاحبها محمد الخشالي بقى متمسكا بها رغم كثرة العروض المقدمة له ،نحن نتأمل من الدولة بضرورة المحافظة على تلك المقاهي لأنها تمثل وجه بغداد التراثي والثقافي في آن واحد.
مقهى الأسطورة
تحسين المياح /صاحب مقهى الأسطورة : لقد أهتمت فئات المجتمع العراقي بالمقاهي البغدادية بشكل كبير ،لأنها تحمل حنينا عميقا من الماضي ، ومقهى الأسطورة يفتح أبوابه من الساعة الثامنة صباحا وحتى العاشرة ليلا ،ونحن نتعامل مع روادنا كضيوف علينا في بيوتنا ،ولدينا عمال ماهرين بتقديم أفضل الخدمات من القهوة العربية أو الشاي والحامض ،وكما تشاهد أيضا وجود مكتبة للكتب تحتوي على الكثير من العناوين الثقافية والاجتماعية أيضا ، ويمكننا القول بأن المقاهي الشعبية البغدادية هي منبع لثقافات متعددة الرؤى
وخيال خصب للإبداع من خلال نقاشات وحوارات وخصوصا يوم الجمعة بسبب تواجد الكثير من المثقفين والكتاب والشعراء.
خدمات المقهى
محمد البهادلي/صاحب مقهى مياسة: كانت المقاهي الشعبية ولسنوات عديدة تقدم فقط القهوة ،أما بعد سنوات السبعينيات فقد تطور أساليب الخدمة ،لتشمل تقديم الشاي والحامض وحتى الدارسين ،وكانت الكراسي الخشبية تحمل ثلاثة أشخاص ، وفي حالة رغبة الزبون كرسي منفردا سيتعامل معه صاحب المقهى بأجور إضافية ،أما بشأن تطورها وخصوصا بعد عام 2003 فلقد تحولت الخدمات إلى انتقالة جديدة ،ومنها تقديم الناركيليه وخدمة الانترنيت وحتى تقديم بعض الفواكه ،لكن أكثر الطلبات في فصل الشتاء تكون بتقديم الأكلات الساخنة مثل (الباقلاء أو البلبي أو الشلغم) ،ورغم الضجة التي تشاهدها من بائعي الملابس وإصواتهم العالية ،إلا أن هنالك إقبالا متزايدا علينا لدرجة أنني جعلت ابني يساعدني بالمهنة ،وما يسعدني أكثر هو مشاركتي البسيطة مع الشعراء والمثقفين حتى يطول جلوسهم هنا لكي يكون الحساب دسما.
تقاليد رمضانية
ابو كرار الكعبي: ما يميز المقاهي البغدادية بشكل عام هو أنها تمثل واجهة ثقافية ومحطة إستراحة للكثير من مبدعي الفن والأدب والشعر ،ولا ننسى دورها في أيام شهر رمضان المبارك ،حيث يجتمع أبناء المنطقة مابعد الفطور ويحاولون كذلك إصلاح شأن المتخاصمين ،وزيارة المرضى وتفقد المحتاجين أيضا .
مقهى حسن عجمي
احد الأصدقاء قال لنا معلومة ،اذا افتقدت أديب أو فنان أو شاعر فإنك تجده في مقهى حسن عجمي وصاحبه أبو فلح ،ولقد زاره أيضا الشعراء بدر شاكر السياب ومظفر النواب،وقد شهد أيضا هذا المقهى إنطلاق الإنتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكومة صالح جبر ،وربما تشهد جميع مقاهي العراق إنتفاضة شعبية كبيرة تقلب موازين العملية السياسية القائمة الآن مع دورة استكان الشاي الساخن الذي ودعنا به أصاحب هذه المقاهي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق