اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو

العاطفة الجوهرية وتقصي المعنى  ….   رصاصة ليست للحرب ل “هلال كوتا “

تمكّن الشعر من اختراق وحدة الزمن في الوجود العام

 

          * محمد يونس

 

أن الصوت الشعري احيانا ذا انبثق من الوجدان ليس غنائيا كما عادة يوصف، وانما أن هو بلغ بالأنفعال اعلى واوسع واعمق مراحل عاطفته، أي تكون هي بلغت مصطلحا يؤديه ملارميه وهو الخلاص المطلق، و يكون هنا مضمون العاطفة بلغ اقصى نقطة في تبرير ذلك الخلاص، وتلك مضمونا بلاغة غير تقليدية، وهناك طاقاتان جبارتان للعاطفة، الاولى هي تمثل فعل جوهري في كيان القصيدة، وقد تتحدد في مفردة، مثل مفردة ( رصاصة)عند هلال كوتا في ديوانه البكر( رصاصة ليست للحرب )، والاخرى تمثل كيان الشاعر سيان في حسه الأدبي ، او هي متمثلة في موقف لم يغادره، وكلا تلكما الطاقتين هما خلاقتان واحدة بأطر تقنية والأخرى بتأكيد صيغة الموقف الإنساني، لكن بصيغة مختلفة، ومفردة ( رصاصة ) التي تلازمنا منذ العنونة، وفي النصوص هي ليست مفردة، فهي من جهة ايقونة الموقف الذي يمثله الشاعر، ومن جهة اخرى هي بمعنى لا يقف عند مقصد او مغزى شعري معين، وهي تغادر هناك صورتها البيانية الى صورة تبلغ اقصى الوضوح، ويتأكد رسوخ معناها، وتلك من مميزات اللغة الشعرية لدا هلال كوتا، فهي رصينة في تجاوز المعنى العام الذي يتمثل في الشكل الاجتماعي لها،

العتبة التعالقية – اتاح الشاعر هلال كوتا لشخصه المشاركة حسب مقتضيات خارجية في صياغة عنونته، وكذلك كان متيحا لوعيه التمثل الموضوعي والجمالي، بقصد انتاج عتبة حيوية من جميع الوجوه، ولا يهيمن المستوى البصري فقط في بعده التقليدي، بل يكون للمستوى الحسي مساحته الفاعلة، وعلى وجه الخصوص في استغلال البعد الاستاطيقي الحساس، واثارة القارىء بوحدة زمن افتراضي، تجعل العتبة مكعبا متعدد الألوان، وكل لون له تأثيره على التلقي حسيا،ولابد من القارىء الأستجابة هنا ليس من مبدأ المعاقدة، كون العنونة هي كمعبر ومسلك للقارىء للتخاطب الأدبي، حيث هو بكيانه الشعري اكد تخاطبه الشعري بسياق معتاد، على على المواثقة الضمنية ينعقد ما بينه وبين القارىء، والزم نفسه دعوته إلى الى الأتزام بهذا الميثاق، وكما وج فينفسه ضرورة ايضاح السبيل الأيسر لتقابله مع نوعي القارىء العام والخاص، ولابد من الاشارة الى أن هلال كوتا باثارة عنونته تمكنن  من جذب القارىء بشكل انساني للعتبة، واشغاله عن ذلك التخاطب، لكن طبعا العتبة ليست تلغي تلك الصفة العقدية، لكن هي كانت متميزة في الأثارة والابهار والتندر وكسب القارى تجاهها، والعتبة كانت كنص اجرائي هنا ، أي أن القارى العام سيقوم بتفسيرها بشكل محدد، اما القارىء الخاص فسيقوم بتأويل العتبة او العنونة، وذلك خارج تفكيره بالمتن،  معتبرا اياها متعالقة مع المتن الشعري ما دام هناك قصائد متعددة، قريب الى التأكيد انها بذات عنونة احداهن، وهذي ميزة في الشعر ناجمة عن كون الكيفية التي رسمت على وجه الغلاف، هي نتاج وعي يسعى الى تميز نفسه، وتكون الكيفية وسيلة لذلك التميز .

طاقة الكائن الشفاف – من الطبيعي إن الظاهرة الشعرية تمنح للطاقات المؤثرة في ميزتها الواعية بمستوى فكري الحق في ابداء وتفسير الأراء وابداء العواطف وتجلي الوجدان، او تبدي الحس الشعري بعاطفة تتمثل فيها ابعاد المعنى ، ولا تعارض الظاهرة الاحساس الادبي في بعد يتمثل بالتفسير، لكنها أن بقت فيه اكسبته روح حيوية ليبلغ المعنى فيه اقصى درجات الوجدان, فقصيدة – رحل .. ليجدد حضوره – تنطلق من المعنى الأجتماعي الى المعنى الشعري لحقيقة كبرى حتمية, وهي حقيقة الموت, والتي جردها هلال كوتا ببلاغة من بعدها النفسي .

كان على عجل

وهو يختصر سنينك

بكفة الميزان..

التي مالت كرقبتك صوب الجنة

 

هلال كوتا في – رصاصة ليست للحرب – يبتكر للشعر بوعيه الشعري المجرد من المرجعيات الشخصية والثقافية من الصيغ، كونه ككائن شفاف يبصر ولا يرى، ويملك طاقة خلاقة لفنه عبر تلك الشفافية، والتي تجعل الشاعر مرة هو وجود قائم بذاته، يرسم تصاعديا، وقد يتجاوز السريالية، ومرة يكون ذلك الكائن الشفاف الذي لايحتمل الم وقهر واثام محيطه، فيكون ذلك الكائن الشفاف ببراءة الطفل، وهذا ما احل تاليه قصيدة – تكاثر الغياب – واكدته لنا ليس كمفترض شعري، بل كحقيقة انسانية قلما نلمسها .

الحوش

 صحن التراتيل

والأب

مرجع لتقاليد العشيرة

وطفل يشبهني في الحزن

يشيخ بجسدي كثيرا

تشكل العاطفة شعرا لها ملامح في اطر اساس واخرى ثانوية ، فاللغة الشعرية بتعديها البعد الخطابي المعهود اجتماعيا، تثير بعد عاطفة محسوسة، والصورة الشعرية ايضا يتمثل بها ذلك البعد، والمعنى بدلالاته ورموزه الموضوعية وما يليه، ونستثني هنا المعنى الجاد، وهناك عاطفة مقابلة هي عاطفة التلقي، التي تمدد نهائية النص الشعري، وتشكل العاطفة قوة ديناميكية لتحريك ساكن الذات الشعرية، فتتحرك من واقعها الى المعنى الذي تسعى اليه العاطفة، وتتطور اللغة الشعرية هنا عبر تلك الديناميكية وتاثير العاطفة على ذات الشاعر، ومن القصائد التي تسعى لتأكيد العاطفة الشعرية قصيدة – اصغاء البليغ – حيث يكون التضاد هنا يحيل المعنى المقصود، وبه نستدل على غاية الوجدان .

جئتك بالحب كله

يشوبه بعض السؤال

وانت

ايها البليغ

اخجلني اصغاؤك

العاطفة الجوهرية – يعرف مالارميه الشعر بأنه ذلك (التعبير عن المعنى السرّي لجوانب الوجود بواسطة اللغة الإنسانية المعادة إلى إيقاعها الجوهري)،أي هناك عاطفة ظاهرية وعاطفة جوهرية، وهي الاكثر انفعالا وقيمة، والعاطفة الظاهرية هي مثال لوجود الشاعر، وانعكاس لحقيقته الوجودية ككائن شفاف، فيما العاطفة الجوهرية يمكنها أن تجعله يتسامى بشفافيته ، ليبلع عبر تلك الطاقة اقصى حدود المعنى الشعري، ويتمثل بذلك المعنى، ومن خلال تلك الطاقة، تكون الدلالة الشعرية لا تقف عند حد نهائي، حتى وأن استوجبت ضروريات شعرية، فقدم هلال كوتا انموذج الشعري عبر تسامي تلك العاطفة، والتي جعلت المضمون الشعري ابلغ روحا وقيمة, ففي قصيدة – هكذا رأيت – يعير محسوسه الشعري الى من كانت القصيدة مهداة له .

اراك تنثر ضحكاتك

على الطرقات

ورغم كل الخسارات

كنت رصاصة ليست للحرب

قدم هلال كوتا في مجموعته – رصاصة ليست للحرب – تميزا تقنيا, حيث كان هناك ايقاع متعدد اكدته القصائد, لكن بقي التناغم حيويا فيما بينها, وطبعا تلك التقنية ليست  من دون هدف فني، وانما هي تتفق مع العاطفة الشعرية من جانب تحديدها الأسهل مما أن تكون في اطار فضفاض، ويكون للجملة الشعرية ان تبديها بشكل اوضح، وكما ان الشاعر قدم قصائد بكيان اوسع واختلاف في تدرج بناء شكل الكيان، لكن المضمون الجمالي لم يغادر جانبي البناء، ففي قصيدة مرثية الكائن الآري – والتي فيها اشتغال بلاغي في تداخل عاطفة الشاعر مع كائن يجده بذات الشفافية, لذات تسامت فيه العاطفة مضمونيا .

كثيرا ما استوقفتك المرايا

علم الليل أن يبتكر صورا اخرى

فالفجر صورة يملؤها التناص

قدم مواعيدك

فأعمارنا شارفت.. الأنتهاء

إن ما تقربه لنا القصائد أننا أمام صورة شعرية حيوية بلاغة ومعنى وفناً وجمالية رغم العاطفة الجبارة التي تؤكد ليس تشاؤماً مرجعه ذات الشاعر إنما وعي استيعابي لمستوى من الصورة الشعرية مختلفة وليست معهودة، وكان هناك خصوصية في ذلك الاستيعاب ووعي تجربة يتحكم بالصورة الشعرية بتفكير وحس مشتر كان في دعم إنتاج المعنى التام المتحرك وليس ذلك المعنى المحدد الملامح والمعهود اجتماعياً حيث اللغة الشعرية أيضا هي جديدة وهذا طابع وسمة خلق يكون فيه الشاعر يعيد تصوره لوحدة الوجود ويربط تلك الإعادة بحسه بها وانفعاله الجوهري وتحفزه الإنساني والمبدأ الوجداني أيضا، ففي قصيدة – مئذنة – الحادة العاطفة التي تمثل خطابا مضادا، عبر الشعر لم يفاوض بعدم رضاه, بل بلغ اقصى رفض عاطفته، فرسم صورة بليغة بالنسبة للشعر, ومريرة بالنسبة للواقع.

في بلدي

المآذن ..

تؤذن بقطع الأعناق

كي تبقى شامخة

تمكّن الشعر من اختراق وحدة الزمن في الوجود العام, وجعل غربة الشاعر القصية هي غربة العالم, والسؤال الشعري عند الشاعر في الروح الكائن الشفاف يصبح موضوعة العالم, ومن المؤكد هناك قوة متوازنة بين الشعري والمعرفي, في أن يكون الشعر هو نَفَس المعرفة وكما هو روحها المرهفة، وإن المهم إدراك عنصر الزمن هنا إيقاعه, حيث اليوم نعيش عصر التشكيك بتلك الروح المرحة والحزينة في ذات الوقت حيث النثر بذلك التراكب يكون فيه ميزة المذاق الفردوسي وهو ما تتمناه الذائقة الشعرية, ففي قصيدة – رصاصة من ذاكرة الحرب – فكان ايقاع الرفض الحسي يضج عبر ثنيا المفردات .

قرانا نتحاشى الولوج اليها

ما لم تكتسب اجسادنا جرحا جديدا

امنا تكتفي بنشرنا

على حبل غسيل الموتى

لتطهيرنا من عفن الحروب

رسم الشاعر  هلال كوتا في مجموعته – رصاصة ليست للحرب – صورة فيها المعنى يتحرك من اللغة الشعرية نحو اقصى مساحة الإيحاء  بمقصد  وجدني للشاعر، ومن ثم ينتقل لإكمال المعنى الذي التزمته العاطفة الشعرية، فتمثلت فيهما الجملة الشعرية بمستوى من المعنى فيه عاطفة هائلة، وهناك تركيبة شعرية في الجمل الشعرية لجميع القصائد منظمة الإيقاع وتراتب العلائق في المعاني بين العضوي والحسي جمالي من جهة وعي الشاعر بسياق جملته ومعناها الشعري ومن جهة أخرى كان المستوى الاشاري متناغماً مع إيقاع القصيدة العام والشاعر لم من مستويات قولية، بل كان التراكب الصوتي في إطار هارموني باغلب الجمل الشعرية، وكان حتى انفعال الشاعر الحاد، كونه كائن شفاف فهو انساني وليس بايدلوجي الدافع .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق