قسم السلايد شوملفات

” ملفات ساخنة ” …الزعيم بين مؤامرتين

على يد الزعيم تخلص العراق من الاستعمار، وقطع علاقاته بالنقطة الرابعة، وانسحب من حلف بغداد، وفك ارتباط العملة العراقية بالإسترليني، وشرع لأول مرة في العراق قانون الأحزاب

 

ج1

مصطفى علي نعمان

في سنة 1958 ثارت بغداد، وانتقمت لنفسها، ونفضت عنها ثوب الذل، وأنهت قروناً سبعة من التبعية والاستعباد، صادفت سنة الثأر والثورة والكرامة والعزة بعد 700 سنة بالتمام والكمال، فتجددت أمال الأمة بالنهوض، والسير في طريق التقدم، لكن أباليس الظلام، في الداخل والخارج، قرروا وأد الثورة، في شهرها الأول، فاتفق عبد السلام وعبد الناصر على قتل عبد الكريم قاسم، بعد بضعة أيام من قيام الثورة، لم يردع الأول رفقته لعبد الكريم، وأخوته له، وعشرته الطويلة، ولم يمنع الثاني ما يدعيه من مبادئ عروبية، اتخذها ذريعة كاذبة، للتربع على السلطة في مصر، وعندما لم يستطع عبد السلام تنفيذ المؤامرة، حاولوا في الشهر الثاني، والثالث، حتى استطاعوا قتلها، قتل روحها، بطلها الزعيم الأمين عبد الكريم قاسم، قتلوها وعمرها أربع سنين ونصف فقط.
فماذا أنجز عبد الكريم للثورة، للشعب في هذا الوقت القصير؟
على يد الزعيم تخلص العراق من الاستعمار، وقطع علاقاته بالنقطة الرابعة، وانسحب من حلف بغداد، وفك ارتباط العملة العراقية بالإسترليني، وشرع لأول مرة في العراق قانون الأحزاب، وأجاز كل الأحزاب التي استوفت الشروط، وأصدر قانون الجمعيات، ووزع الأراضي على الفقراء، وبنى أكثر من خمسة وثلاثين ألف دار منحت إلى الفقراء من دون مقابل، وقضى على الصرائف التي كانت تسور بغداد من جميع الجهات، ووسع العاصمة بافتتاح قناة الجيش، وجملها بسور من الأشجار، وأصدر أفضل قانون للأحوال للشخصية في كل الدول الإسلامية والعربية، إذ توجب أخذ
موافقة الزوجة الأولى لوجود شريكة لها في الزواج، وكان ذلك يحدث للمرأة لأول مرة في تاريخ العرب والمسلمين، وقضى على التمييز الشائن بينها وبين الرجل في الإرث، واستوزر أول امرأة في تاريخ العالم الثالث الحديث، وأنجز أوسع ثورة علمية في العراق والدول المجاورة في فترة قياسية: افتتح جامعة بغداد، وجامعة المستنصرية، وأرسى حجر الأساس لجامعات الموصل، السليمانية، البصرة، الكوفة..الخ، وفتح أبواب جامعات المعسكر الاشتراكي للطلبة غير الحاصلين على الشهادة الثانوية، فتدفق عشرات آلاف اليائسين من مواصلة التعليم، إلى هذه الدول، وتخرجوا فيها، وأصبحوا كادراً مهماً أولياً، وثانوياً، مثمراً في الحياة، وأرسى مبادئ التعليم المجاني في العراق، وكان الفقراء يعانون من شراء الكتب المدرسية، فأصبحت مجانية، وأدخل نظام التغذية المدرسية، ووقع اتفاقية صناعية مع الاتحاد السوفيتي، أقامت عشرات المصانع في العراق، حتى وصلت المصانع التي أقيمت في عهد الزعيم إلى خمسة وستين معملاً، ضخماً، بينما لم يُنشئ الحكام الآخرون، قبله، وبعده، وطيلة سبعين سنة من حكمهم المشؤوم سوى بضعة مصانع، وكان للزعيم خطة كبرى تعتمد على إقامة سكك حديد، في مختلف أنحاء العراق، انتهت بموته، لكنها أنجزت سكة حديد بغداد بصرة، وكانت لديه خطة تقضي بإنشاء شبكة كهرباء تعم العراق كله، أنجز الكثير منها، فلقد وصلت إلى قرية “بنكرد” وهي على حدود إيران، فرأيت العمال يقيمون شبكة كهربية فيها سنة:1961، وسمح بإنشاء صحف ومجلات أدبية وثقافية، بينما كان العهد الملكي يمنع المجلة الثقافية والأدبية بعد عدد واحد أو عددين يصدران فقط، واهتم بتنظيم المدن العراقية كلها، وأخذ بإصلاح ما أفسده الدهر، فقد كانت السدود التي أنشئت قبل مجيئه من دون توربينات لتوليد الكهرباء، فطفق بإقامة التوربينات، وحدّث تجهيز الجيش العراقي بأسلحة روسية، وأصدر قانون الإصلاح الزراعي، ورعى دراسة للتخلص العراق من البلهارسيا، وكان هذا المرض يفتك بالفلاحين من أبناء الشعب بشكل خاص، فاستورد أنواعاً من الأسماك تعيش على بويضات البلهارزيا، مما أدى إلى القضاء على هذا المرض الوبيل، وحاول تأميم النفط العراقي، لكن السوفيت أقنعوه بأن الوقت ليس بملائم، فأصدر قانون رقم 80 استرجع فيه كل الأراضي التي استحوذت عليها شركات النفط بالباطل، وأسس شركة النفط العراقية، وبنى مدينة الطب وجهزها بالمعدات اللازمة
أما أهم إنجاز حققته الزعيم عبد الكريم قاسم فكان خلقه للطبقة الوسطى، وهذه نقطة أغفلها الكثير ممن كتبوا عن الثورة، عن جهل أو تجاهل، أما كيف حدث ذلك فقد تم عن طريق توزيع قطع الأراضي في جميع المدن والأقضية والقرى في العراق، بأسعار رمزية، ومنح المواطنين قروضاً للبناء، بفائدة رمزية، فعلى سبيل المثال وزعت أراضي المنصور والمأمون بسعر 100فلس للمتر المربع، وأراضي بغداد الجديدة، والمشتل ب 50 فلساً، وعلى ذلك يستطيع المدرس المتخرج للتو “وكان راتبه آنذاك 41 ديناراً، أن يشتري 400 متراً مربعاً في المنصور، أو 800متراً مربعاً في المشتل، أو بغداد الجديدة، أو في أي مدينة عراقية أخرى، وفي نفس الشهر يستطيع أن يحصل على قرض من المصرف العراقي، وفي خلال بضعة أشهر يتمكن من السكن في دار حديثة، تشتمل على حديقة، ويتخلص من دفع الإيجار، مرة وإلى الأبد، وبذلك في خلال مدة قصيرة خلق عبد الكريم قاسم طبقة جديدة، مرفهة، بعدما كان إيجار الدار يلتهم معظم دخل أفراد تلك الطبقة، وأعرف معلماً، امتلك داراً وسيارة في السنة الثانية من الثورة، بينما كان في العهد البائد لا يحلم بالسكن في كوخ يخصه، ولا يحلم بدراجة هوائية يتنقل فيها، وبهذا تحقق المبدأ الذي كان يردده الزعيم، والذي سخر منه المؤدلجون الجامدون، والقوميون المزيفون على حد سواء، مبدأ عبد الكريم كان: لا نريد أن نفقر الأغنياء، بل نريد رفع الفقراء إلى مستوى الأغنياء، فهذا المواطن الفقير الذي سكن في خلال السنة الأولى من الثورة في “فللا” وامتلك سيارة، لا يمكن أن لا تعتبره غنياً، في المواصفات البرجوازية السائدة في أمريكا وأوربا بالذات، وعلى ذلك نستطيع أن نقول إن عبد الكريم هو خالق المدينة العراقية الحديثة، فقبل عبد الكريم لم يكن في الموصل على سبيل المثال، إلا المدينة القديمة المحصورة بين بقايا الأسوار التاريخية، وفي زمنه زحف العمران إلى الضواحي، ليتضاعف حجمه إلى بضع مرات، وهذا ما حدث في كل مدينة عراقية .

 

 

  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق