اخر الاخبارعمودقسم السلايد شو

راشد الراشد يرد على مقال “هل نعيش نهايات المد الديني” ؟ للكاتب توفيق السيف

الإنحدار الراهن في التيار السلفي التكفيري ليس إنحداراً للدين والمد الديني يعيش حالة إنتعاش كبرى

 

  • راشد الراشد

بداية لم نود التعليق على المقال الأخير للكاتب توفيق السيف والذي عنونه ”هل نعيش نهاية المد الديني؟“ والذي نشرته جريدة الشرق الأوسط ، لما فيه من الإسفاف والإنحدار المعرفي ، والذي أطلق فيه أحكاماً كاسحة لاتمت للواقع بصلة كالجزم بنهاية المد الديني على إثر تراجع وانهيار التيار السلفي التكفيري ، والذي لم يعرف لنا عن أي مد ديني يتحدث وأبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه لتقييم ما وصفه بالظاهرة الإجتماعية مجرداً دون الإعتراف بأن ”الدين“ ليس مجرد تيار إجتماعي أو سياسي عابر ولا يمكن إختزاله في سلطة دولة أو جماعة إجتماعية محددة وإنما هو عقيدة آلهية نزلت من السماء عبر الوحي للبشرية ولا علاقة لها بإرادة البشر إلا من حيث الهداية أو الضلال .
فالدين ليس مجرد محطة عبور إجتماعي أو سياسي للجماعات السياسية التي نشطت تحت شعاره وتدثرت بلباسه لتحقيق أي من الأهداف التي نشأت وقامت عليها وسواء كانت مصالح فئوية ضيقة كغرض الوصول إلى السلطة والسيطرة والزعامة أو حتى كانت أهداف ومصالح ترتبط بتعزيز ”الدين“ كثقافة وهوية أو ترسيخه كحركة فكر وعقيدة ، حتى يمكن ربط نتائج أدائها ذات الطبيعة البشرية بالدين من حيث هو عقيدة ومنهج أخلاقي هو أوسع بكثير من تضيقه في خناق أداء تيار أو جماعة محددة حتى يمكن مقاربته بوصفه ظاهرة من الظواهر الإجتماعية المجرّدة .
من الواضح أن النظرة المادية أو قل الروح العلمانية التي هيمنت على فكرة المقال قد اسقطت الكاتب في كبوة خطيرة عندما غيب عن الرؤية الموضوعية التي تعالج مسألة الدين والعقيدة بحقائق لا تقتصر على عنصر المادة وإحداثياتها وإنما لابد من الإقرار بأن الديانات ، ونخص السماوية منها ، لها واقعها المختلف في التأسيس والنشأة والتكوين عن أي تيار أيديولوجي وضعي آخر ، وهذا يجعل المقارنة أو المقاربة بين الدين والتيارات الإجتماعية أمراً لايصمد أمام واقع أن الدين هو أسمى وأجل من أداء التيارات الإجتماعية حتى وأن إصطبغ نشاطها بالفكرة الدينية ، ومن هنا فإنه لا يمكن مقارنة نتائج أداء التيارات الإجتماعية بمختلف إتجاهاتها وكافة مكوناته بالدين الذي وقف أمام تشكيله وتكوينه الخالق عزوجل .
لقد راح الكاتب يصف في مقاله سقوط التيار السلفي على أنه هو سقوط للتيار الديني بمعنى تراجع الدين ومسار العقيدة في نفوس الأمة ، وهو بهذا يعتبر المد الديني محصور بالأفول السياسي لتيار وجماعة وصلت إلى السلطة بشكل ما ، دون النظر إلى كون الدين حقيقة قائمة في وجدان الأمة قبل وصول هذه الفئة للسلطة وحتى قبل ولادة مؤسسها الأول وأستمرت في عقل ووجدان الأمة في كل مساحتها المترامية الأطراف دون أن تكون لها أدنى علاقه بهذا التيار السياسي أو الإجتماعي كما وصفه الكاتب ..
تحول رهيب في فكر كاتب المقال توفيق السيف وهو يتعامل مع الدين في هذا المقال كأي ظاهرة من الظواهر الإجتماعية التي يمكن الحديث عنها وفق معايير الأداء البشري ونتائج خططه وسلوكه وأفعاله .. متغافلاً أو متجاهلاً أو حتى منكراً بأن الدين إنما هو من الله وأنه جاءنا عن طريق الوحي وليس ناتجاً من صناعة بشرية حتى نحكم عليه بسلوك الأفراد وحتى الجماعات ، وجاء حديثه منكراً لكل ما جاء به القرآن الكريم متحدثاً عن الإرادة الآلهية في غرس الدين في عقل ووجدان البشر وأنها تدخلت في أكثر من موقع وحادثة لحفظ الدين من الضياع والتشويه .
ولأنه لم يعرف التيار او المد الديني الذي تحدث عنه في مقاله فإنه سقط في مقاربته مع الشيوعية كظاهرة هي الأكثر سياسية اكثر منها عقيدة ومذهب ودين …
أظن أن العلمانية في الفكر والتوجه تصوغ افكار وكتابات توفيق السيف ليتعاطى مع الدين بهذا التسطيح المر ، وقد خانته النظرة المادية من الإعتراف والإقرار بأن الدين ليس مجرد تيار أو ظاهرة إجتماعية وإنما هو هوية وعقيدة لملايين البشر الذين يتمسكون بتعاليمه وتوجيهاته وإرشادته بعيداً عن أجندة التيارات الإجتماعية ، وأن وصول أحدها للسلطة ليس مقياساً وحيداً لقراءة نهضة أو تراجع ”الدين“ كهوية فكر وعقيدة وإيمان . فلينظر إلى المساجد في صلاة الجمعة وإلى الملايين التي تزحف إلى مكة المكرمة من كل عام وإلى الملايين الهادرة التي تقصد كربلاء وإلى ظاهرة الحجاب ليس في العالم الإسلامي فحسب لنتحدث بعد ذلك عن ”الدين“ كعقيدة تتضمن مجموعة ضخمة من المبادىء التي تربط البشر بخالقها .
وهنا لن نتحدث عن المد الذي أحزن الكاتب تراجعه والذي إغتنمه توفيق السيف فرصة ليطلق حكماً كاسحاً لتعميم ظاهرة وصول جماعة معينة للسلطة وإستغلالها لعباءة الدين للسيطرة والنفوذ والتحكم على أنها دلالة قطعية كاسحة لتراجع وإنهيار المد الديني ، وقد إستعرضه وكأنه يحمل عقدة متأصلة في تفكيره تتصل بوعي الناس الديني وبإصرارهم على التمسك بتعاليم وإرشادات الدين كعقيدة وفرض آلهي ، ولذلك فإنه لم يعتبر بأن ما حدث للتيار السلفي التكفيري هو تراجع وإنهيار لتيار إجتماعي ما وصل إلى السلطة بشكل ما وإستغل الدين كأداة للسيطرة والنفوذ والتحكم وإنما تجنى بإعتبار هذه التراجع والإنهيار هو تراجع وإنهيار للمد الديني كله .
وهنا لن نتحدث لكاتب المقال بما يحققه محور المقاومة في ايران ولبنان واليمن والبحرين من تمدد ونمو وهو يحمل الهوية الدينية في حركته ويعتمد على فكرته بشكل أساسي في المقاومة وتتشكل قاعدته كتيار من علماء دين ومتدينين ، وهو يحقق إنتصارات ضخمة ونموا مضطرداً في خارطة الوعي والإنتماء للدين والحركة بإتجاه العقيدة والعزة والكرامة على حد سواء ولن نتحدث عن قادته الذي يتشكلون من علماء وفقهاء دين لهم وزنهم وثقلهم الفكري العقائدي كما لن نذكره بأن للدين رب يحميه وهو القائل : ”إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون“ ٩- الحجر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق