عمودقسم السلايد شو

مختصر مفيد … إيران قوة الأوراق وذكاء التوقيت

 

بقلم – ناصر قنديل

في كل مراحل المواجهة المفتوحة حول ملفها النووي أظهرت إيران أنها تبني بهدوء ومثابرة وكثير من الكتمان مصادر للقوة تتيح لها ما هو أبعد من الصمود لتكون جاهزة عندما يقع اليأس من إسقاطها ويعود المتربّصون بها إلى لغة التفاوض لتفاجئهم بأن عليهم أن يفاوضوا على غير ما كانوا يظنّون
كان دخول إيران مجال تخصيب اليورانيوم من إنجازاتها في ظل العقوبات والحصار، ولم يكن بنداً في جدول التفاوض في البدايات حتى صار البحث بإنشاء بنك يبيعها اليورانيوم المخصّب ويسترجع منها النفايات النووية ولما دخلت التخصيب تغيّر ميزان التفاوض.
كذلك كان الانتقال إلى حلقات تقنية جديدة في البرنامج النووي كرفع نسبة التخصيب إلى الدرجات التي تثير قلقَ أعدائها أو برامج الماء الثقيل، ولكل من هذه التطوّرات صلة بنوع من الطاقة القابلة الاستخدام في الأسلحة النووية فصنعت إيران ما تريد التفاوض على الامتناع عنه لتحمي في التفاوض ما تريد الاحتفاظ به. وهو الذي كان موضوع التفاوض لفرض حرمانها منه.
جاء التفاهم النووي انتصاراً لأوراق القوة الإيرانية وذكاء التوقيت التفاوضي ويأتي الانسحاب منه كرهان على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، واعتقاداً بأن نجاح إيران كان ثمرة فشل وضعف المفاوض الأميركي. وها هي المواجهة تُعيد إنتاج المعادلات الصعبة أمام إدارة الرئيس دونالد ترامب، حيث مخاطر الحرب تلوح في الأفق وهو يريد تفاديها فتطلّ برأسها بديلاً وحيداً للتسليم بالحقائق الجديدة من دون أن تبدو إيران مَن يشعل هذه الحرب
خلال مراحل التفاوض في ظل العقوبات والحصار عرفت إيران مراحل شديدة الصعوبة وتغلّبت عليها وفقاً لمنهج تصنيع أوراق القوة وحفظها ثم مراكمتها، حتى يحين أوان تفاوض جديد. فهكذا كان دخولها حيّز تخصيب اليورانيوم على مراحل مختلفة وصولاً للتخصيب المرتفع الصالح للسلاح النووي. وكذلك كان امتلاكها لتقنية استخدام الماء الثقيل وله أبعاد استخدام عسكرية أيضاً. وفي العقل الإيراني معادلة تصنيع الأوراق التي ستكون للتفاوض موضوعاً قابلا للتخلي مقابل حفظ مصادر القوة التي لا يمكن لها أن تقبل بالتفاوض حولها. وجاءت المفاوضات قبل ولادة التفاهم لتقول إن إيران نجحت بمقايضة التخصيب المرتفع لليورانيوم وبرامج الماء الثقيل لحفظ برنامجها الأصلي الذي كان في الأساس هو موضوع التفاوض.
تأتي إدارة دونالد ترامب وفي ظنها أن تخاذل المفاوض الأميركي وضعفه منحا إيران الإنجاز المحقق بالتفاهم فتقرّر الانسحاب منه لصالح سياسة عقوبات، متشدّدة تريد منع إيران من بيع نفطها ولا تنتبه أن إيران خلال كل سنوات ما قبل التفاهم وما بعده بذلت جهوداً وأموالاً وطوّرت تقنيات وأسلحة ومقدرات عنوانها التفوق على القدرة العسكرية الأميركية في الخليج. فصار سلاح البحرية الإيرانية وضفادع الحرس الثوري وفرقاطاته وطوربيداته البشرية يتمرّنون بالحاملات الأميركية الضخمة الجاثمة في مياه الخليج وصارت المناورات العسكرية الصاروخية مناسبة لاختبار قدرات التشويش الإلكتروني المتبادلة بين الأميركيين والإيرانيين، كما صار السلاح الصاروخي الإيراني بمرتبة متقدّمة بين جيوش العالم حتى صار بمستطاع إيران أن ترسم معادلة جديدة، قوامها إن تمنعوا نفطنا فسنمنع عنكم النفط . والأمر ببساطة إنكم تستخدمون إمساككم بممرات المال لحصارنا وسنستخدم إمساكنا بممرات الماء لحصاركم.
ماذا سيفعل ترامب قبل الاعتذار من باراك أوباما، والاعتراف له بأنه كان يحسن قراءة المعادلات أكثر منه. وأن الوقائع تظهر أنه أشدّ منه تبصراً؟ فهل يذهب لحرب كان له عليها مئة باب وتهرّب منها أم يسلم بمعادلات جديدة تحت عناوين مموّهة تهدف كما في سورية إلى حفظ ماء الوجه فقط؟.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق