اخر الاخبارثقافة وفنون
بلال الجميلي :المرأة كانت شريكا في رفع بعض قصائدي ونسجها

حوار /علي صحن عبدالعزيز
شاعر توضأت كلماته بالإحساس والتعبير ،فكانت احيائاته تحمل إدراكا روحيا مغريا القراءة،وهو يعود بنا إلى عضويات المعلقات الشعرية في وعتها وبناءها المحكم ،مع إختلاف الكتابه مع الواقع ضمن علاقات اجتماعية وإنسانية عميقة التجربة ،فإستطاع ان يترجمها بمقدرته الشاعرية الفذة ،النابعة من وجدان يمتلك خيالا خصبا يلتقط جميع المجسات الحسية ،ويجعلها ضمن فضاءه المليئ بالإبداع والتجديد.
*لغة التحاور مع المتلقي ،على ماذا ترتكز ،التفاعل الثقافي والوجداني ،ام هنالك أدوات جديدة ؟ -بالتأكيد لغة التحاور مبنية على هذين المحورين بشكل رئيسي ، فأنا مثلا أسعى للتفاعل الوجداني حتى داخل النص الذي قد يرتقي للمدرسة السريالية ، فتجد أنه في لحظة ما قد لامست المتلقي بصورة شعرية تداعب وجدانه، ثم لابد من السعي لتفاعل من خاصة الفن الشعري كأدباء ومثقفين ومتذوقي نصوص التكثيف المفتوحة وهنا أكون قد حققت المبتغى و الرسالة بذات الوقت،أما الأدوات الجديدة فهي أدوات محدثة من حاجة الوقت زمن الحاضر متمثلة بإستغلال تفجر الوضع الراهن بتفجير كل متعلقات الحياة ودمجها بحركة النص الشعري بصورة ديناميكية حية هذا على الأقل بالنسبة لي . *هنالك إتهام للشعراء ،بأن ما يطرحونه من قصائد تمثل تجربة شخصية للشاعر ،أما ترى أنها نوع من الوحدانية؟ -في كثير من الأحيان يكون هذا الإتهام حقيقة، ولكنها حقيقة مهمة وليست إتهام, كيف لا وتجارب الشاعر هي مصدر مهم من مصادر تأجيج قريحته الشعرية، حتى أن كثيرا من القصائد العصماء سواء في العصر الحديث أو العصور السابقة مبنية على تجارب شخصية ومواقف أصحابها من مدح وهجاء ورثاء إلى آخره، فلو تمعنا مثلا في قصيدة (حييت سفحكِ) للجواهري أو قصيدة المتنبي (وا حرّ قلباه) وهو يقصد بها سيف الدولة سنجد الشعراء هنا يخوضوا في تجربة شخصية واضحة المعالم ولكنها صيغت بأروع لغة وأبهر صور ويكفي أن نقف عند هذا البيت للمتنبي ( ما أبعد العيب والنقصان من شرفي، أنا الثريا وذان الشيب والهرم). *حدثنا عن طقوسك في كتابة القصيدة ،وما هو سر الإلهام فيها؟ -الإلهام يسبق الطقوس ، غالبا ما يكون مطلع القصيدة العمودية أو مفارقة النص المفتوح إلهاما لوضع أساس مشروع ولادة النص ، هنا بالعادة أترك الفكرة فترة معينة ثم أعود لتكثيفها أو صياغتها حسب نوع النص، في الشعر الموروث أنا امتهن الكتابة بطريقة شعراء الصنعة أو الحول وهي طريقة اتبعها كثير من شعراء العصور المتعاقبة في التمحيص و التشذيب والتهذيب في صور و مكامن ومعاني النص ليصل الى صورته النهائية،اما الطقوس فهي لا تخلو من الخلوة الشعرية للتهيئة لرحلة الخيال ، ولكن في النصوص المفتوحة كثيرا ما تخلق الامكان العامة حوارات صامتة مع المحيط الجامد و المتحرك لخلق صورة شعرية نشطة. *هل تجاوز الشعر محنته ،وأكد هويته من جديد على ايدي ثلة من الشعراء ؟ -المحنة التي تقصدها أعتقد هوية الشعر، لأن محنة الشعر تترتب على جوانب عديدة كالهوية والجنس والحضور، فلو اختصرنا جانبي الجنس و الحضور فالشعر كجنس أدبي بدأ يشهد تراجعا في الإهتمام من جانب المتلقي وربما حتى الشاعر مقارنة بالرواية، أما الحضور فجمهور الشعراء أصبح بالعادة جمهور خاص من المثقفين والشعراء أنفسهم بينما يشهد شبه عزوف من العامة، أما هوية الشعر فلا زلنا نشهد تنافسا وتجاذبا وتنافرا في أثبات الهوية الشعرية لصورة معينة من صور الشعر موزونا كان أو حرّا أو نثريا، والحديث هنا طويل وذو شجون يكفي أن أنقل لك جزء من فصل الشعر في كتاب تاريخ الأدب العربي لأحمد حسن الزيات حيث ذكر فيه (الشعر هو الكلام الموزون المقفى المعبر عن الأخيلة البديعة والصور المؤثرة البليغة. وقد يكون نثرا كما يكون نظما ) وأضاف على هذا في هامش الصفحة ما ينتهي بالقول ( وعلى هذا النحو سموا القرآن شعرا والرسول شاعرا) من هنا استنتج أن محنة الشعر قائمة منذ قيام الأدب وزادت الحداثة والعولمة وروح العصر الحديث من هذه المحنة واعتقد أنها تسير بالتوازي مع خط السير الإبداعي لجميع صور الشعر. *أرى بعض الغموض بالمفردات الشعرية لبعض الشعراء ،ما القصد وراء ذلك ؟ -الغموض في المفردة ليس جديدا على الساحة الشعرية فقد نجد مفردات صعبة وغير مباشرة المعنى عند شعراء من العصور القديمة وهو أسلوب وانعكاس البيئة، أما في الشعر الحديث فالغموض المقصود وضبابية الملامح للنص يعتبر جزء من أركان التكثيف ، إعطاء مساحة لتحرك المتلقي داخل النص هو نجاح بحد ذاته ، فنرى الدراسات النقدية والقراءات الشعرية تسهب في النصوص المكثفة لفتح آفاق عديدة في معنى ومراد النص فهنالك رأي أعتقد للشاعرة الخالدة نازك الملائكة تقول فيه (إن الشعر لا بد لـه من مسحة من الغموض تجعل المعاني مثيرة للتعطش في نفس القارئ، فيحس وهو يقرأ أنه يلمس المعاني ولا يلمسها في الوقت نفسه).
احد النقاد يقول بأن عنصر الحداثة جاء متأخرا إلى الشعر العراقي ،بدليل عدم وجود. تجاوب واسع عليه وحضور الأمسيات، ما تعليقك؟ -العراق كان في مقدمة من شهد ولادة الحداثة في الشعر العربي إن لم يكن الأول ، فالحداثة في الشعر العربي قد حددها الكثير من المختصين في مجال الأدب في قضية ولادة الشعر الحر ومعروف أن الشاعرين الراحل بدر شاكر السياب والراحلة نازك الملائكة من رواد الشعر الحر ثم يأتي بعده ما بعد الحداثة من أنماط شعرية كقصيدة النثر بمدارسها المختلفة وللعراق أيضا أسماء بارزة فيها كسركون بولص وحسين مردان وغيرهم،أما مسألة الأمسيات الشعرية تحتاج لأداء شعري حقيقي على المنصة فهناك البعض ممن أجاد الدور في شد المتلقي لروح النص ، لكن المنصة فعلا تفتقر أحيانا لحضور على مستوى عالٍ مما ينعكس سلبا على تقبل هذا اللون الأدبي من الآخرين. *ماالذي ينعش كثافة الواقع الشعري ،كثافة الحضور ،ام النقد الثقافي ؟ -كثافة الواقع تخلقه الحركة الأدبية المدروسة ولنقل الأكاديمية ، فثبات التجربة في رصانتها واتجاه الأنظار النقدية و الإعلامية إليها بشرط أن تكون بلا محاباة ، كثافة الحضور ليس ركنا أساسيا في نجاح التجربة ، والزمن كفيل في إثبات الحقيقية منها وإن لم تحصل على استحقاقها في حينه وهو كفيل أيضا في انهاء سواها . *قرأت في إحدى الصحف ،بأن قصائد الومضة والهايكو ،ماهي إلا استنساخ لاوزان قصائد أجنبية ،وأنها دخيلة على الشعر العربي، ما هو تعليقك؟ -في رأيي إن أهملنا جدلية كون الصنفين المذكورين من الشعر أم لا، صناعة الدهشة أو اللحظة الشعرية بجانبها الوجداني المكثف أو الدسم سيثير إعجاب و انبهار المتلقي وهو الهدف والتحدي الذي وضعه الشعر لنفسه ،وعن نفسي أؤمن بشعرية الومضة، أما الهايكو فقد عرفه البعض على أنه اللغة التي تظهر الطاقة الإيجابية في الوجود والموجودات وتعميمها وهو فعلا تعريف يصنع خامة للحظة وجدانية بصبغة شاعرية. * بصراحة ،هل أشعل الحب بك جذوة الإلهام ،وأين تضع المرأة في قصائدك؟ -المرأة كانت شريكا لي في رفع أسس بعض قصائدي ففي قصيدتي ملاذات بدأت القصيدة مخاطبا إياها بتلك الجذوة الجامحة، ولكن ما إن وصلنا المنتصف حتى وجدنا أنفسنا مقيدين بذات السلاسل التي قيدت واقع الوطن الموجوع ورحنا نحاول الإفلات معه في هذا الخيال، كثيرا ما إستعملت قدرات ومكانة وعنفوان وروح المرأة في رفع الروح الشعرية في قصيدة الأرض والوقت والوجع ، فقد أخذت دور الشريك في نسج نصوصي. *مرة قال الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ،حينما كان يتمشى بشارع الكفاح ،واستوقفه أحد المارة وقراء احدى قصائده ،فأغمي عليه، أين نحن من تلك القصائد؟ -عبد الرزاق عبد الواحد نذر نفسه للشعر، وأذكر أنه حيّا شريكة حياته مرّة على أنها تحملت عنه مصاعب الحياة عندما توحد في عالم الشعر، هكذا أجواء تصنع المجد، ولكن الطريق إليه يحتاج إلى التضحية، في متابعة لبرنامج شاعر المليون أو هكذا برامج ستجد بعض الأصوات العظيمة، لكن الشارع اليوم مثقل بهموم الناس والفتن التي اصمت الأسماع واعمت الأبصار عن التغني والافتتان بالشعر العربي الذي يحمل الرسالة بقوة المضمون و التصور. *تقول في إحدى قصائدك، أسفل قرص الشمس تركنا موعد يكبر كلما أبتعدنا ماالتربط ما بين الموعد والشمس؟ -رغم أن من عادة النصوص المفتوحة أن يخرج منها الكاتب عن صفته ويدخل إليها كمتلقٍ ، لكن أغلب نصوصي أحاول أن أرسم فيها خط بياني يكاد يكون واضح الدلالة،الموعد وقت والشمس مؤقت ، وهذا هو المعنى الظاهر للمفردتين ، لكن ما يخبأ تحتهما أبعد من هذا فالشمس لم تكن موجودة عندما استيقظ النص وقد فات الموعد أيضا. *من يسبق من ،اسم القصيدة أم احداثها؟ في الغالب متن القصيدة ، العنوان بالعادة يأتي بعد إنتهاء القصيدة وأحيانا يكون أصعب من القصيدة ، العنوان قصيدة ثانية وتصور أنك ستختزل القصيدة بكلمة أو اثنين أو أكثر بقليل. *أبرز مشاركاتك محليا وعربيا؟
المشاركات في الاصدارات الورقية أو الدورية عديدة منها كتاب عيلان عبد الله الكردي الصادر عن مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين في الكويت ومنها انطلوجيا الفينيق وإصدار ثانٍ من الأردن ومن سوريا إصدار مؤسسة الرابطة العربية للآداب و الفنون مع نخبة مميزة من الشعراء ،وهنالك عدة إصدارات مشتركة من داخل العراق صادرة عن مؤسسة صدى الفصول ومجلتنا مجلة الآداب و الفنون. أما المشاركات على مستوى المهرجانات فأنا لم أشارك عربيا بأي فعالية بسبب صعوبة السفر خصوصا وأنا مرتبط بإدارة مدرسة من مدارس وزارة التربية التي تحتم علينا التواجد بشكل دائم وصادف أن تلقيت دعوتين من تونس سابقا، وحاليا تلقيت دعوة من دار النخبة لمهرجان في مصر لكن الإلتزام حرمني من تلبية أي دعوة،عراقيا فقد شاركت بالعديد من الاحتفالات و الأصبوحات الشعرية التي أقيمت في المركز الثقافي البغدادي وأمسيات بغداد الثقافية التي تقام في العادة بالملتقيات الثقافية التي تتوزع على مقاهي الكرادة في بغداد المحبة . *إلا ترى أن هنالك انخفاضا على المطبوع الورقي ،والاستعاضة عنه بالإنترنت،فلماذا تستمرون في إصدار مجلة آداب وفنون؟ المطبوع الورقي فرض لابد منه صحيح، إن نسبة القراءة في أدنى مستوياتها بسبب النشر الالكتروني و الواقع الاقتصادي ولكن لا يوجد ما يوثق الأعمال و الدراسات و النتاجات الأدبية توثيقا أمينا مثل المنشور الورقي ،يساندنا هنا في ذلك دار الكتب والوثائق العراقية مشكورة ، أما بالنسبة للقراءة فلا زال للمطبوع الورقي جمهوره العريق الذي يتلذذ بطقوس القراءة . *حدثنا عن انطباعك عن الناقد الثقافي ،أين دوره الآن ؟ معروف دور الناقد الادبي في تحليل النصوص وبيان مواطن قوتها والخلل، وهو كاتب ثانٍ للنص ، في العادة لا يكتب الناقد عن نص سيء إلا للتنبيه عن أمر خطير ربما أو لحسابات أخرى ،وبين من التقيته وأقرأ له ، فأنا أقرأ الكثير من الدراسات النقدية التي أحاول أن أستفيد من محتواها في بناء تجربتي الشعرية أكثر فأكثر ،وأحضر أحيانا جلسات أدبية لا تخلو من الطرح النقدي ، الناقد الثقافي موجود لكن الذي يجب أن تبحث عنه وتحاول أن تضع نفسك أمامه بأبداعك والأداء ،أما من التقيتهم من نقاد حقيقيين فهم قلائل لكنهم نقاد بمعنى الكلمة فأحدهم ساند بعض التجارب الشبابية ووضعهم في الواجهة ،والثاني لم يتأخر عن أي طلب مساعدة ومساندة حقيقية والثالث كتب عن أحد نصوصي لمحة نقدية حقيقية ذكرت ما له وعليه بإيجاز ،النقادالحقيقيون موجودون في زحمة الأقلام الكثيرة . *هل افصحت يوما ما عن اسم المرأة التي تكتب عنها؟ تلميحا نعم ، المرأة كانت في أحد النصوص أسما وصفة فلذلك كان أسمها نموها، وأن كانت من بنات الأفكار ( أقول الشعر كي أخلي همومي، فإن بانت فيا هيفاء قومي) مطلع قصيدة ملاذات، وكذلك لي نص عن بنت صغيرة راحلة يبدأ باسمها يحمل عنوان ( صلاة غائبة ). *لمن تقرأ ،من الشعراء، وكيف يكون أختيارك للكتب التي تشتريها؟ -قرأت للكثيرين فمن أبهرني هو أحمد مطر وعدنان الصائغ، وقد قرأت ايضا للماغوط وحسين مردان وكاظم الحجاج والكثير من الشعراء المعاصرين ،أما من سالف العصور فأنا أحفظ بعض قصائد أعلام الشعر العربي القديم كالمتنبي والاصمعي وقارئ متتبع لعيون القصائد ،والأن متوغل بالقراءة للشعراء الغربيين رغم اختلاف الترجمة أحيانا وبين يدي كتاب الاغاني وما بعدها للوركا،أما اختياري للكتب فهي أما بقصد أو دون قصد ، فالمطالعة و الاطلاع تجعلك تتقفى آثار من تقرأ سيرهم الإبداعية وتبحث عن كتبهم لأيام دون كلل أو ملل، أما الصدفة فقد تقع عيناي على عنوان كتاب يفصح عن ما فيه فتجد ضالتك دون قصد وما هي إلا لحظات حتى تتأبطه بشغف الخلوة. *شيئا عن مسيرتك الثقافية ؟ -بلال الجميلي شاعر يكتب الشعر العمودي و التفعيلة وقصائد النثر ، مقل في كتاباتي لأنني أحاول اقتفاء خط سير الأدب الحقيقي في ظل التزاحم الأدبي الذي ذكرته سابقا، صدر لي ديوان (إيماءات بأطراف القصيدة) وهو مجموعة من قصائد النثر عن دار النخبة في مصر وأحضر لديوان شعري ،لكن ليس في الوقت القريب قد يحمل عنوان ( أنا وناسٌ ووطن) نشرت قصائدي في صحف ومجلات ورقية عديدة كالشرق والمستقبل العراقي و العراق الاخبارية والحقيقة ومجلة المرايا للشعر والأدب ومجلة الآداب و الفنون وأنشر في عدة مواقع ومنتديات أدبية عربية وعراقية, ومشارك بأكثر من عشرة دواوين مشتركة من الكويت والاردن وسوريا والعراق. *كلمة أخيرة وشيئا لم نقله؟ الكلمة الأخيرة هي كلمة شكر إليكم ولإسرة التحرير ، على ضيافتكم الأدبية النبيلة و أدعو المؤسسات الإعلامية العراقية أن تتبنى وتمد يد الرعاية الأدبية للشباب العراقي المبدع فهذه الشريحة بحاجة لتسليط الضوء على تجاربها الإبداعية خدمة لمستقبل البلد الذي ينتظر منا هذا الدور، مع محبتي والامتنان.