اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو

في ( أموات بغداد ) الحياة تنهض من جديد

 

باسم عبد الحميد حمودي
قرأت رواية جمال حسين علي (أموات بغداد) مؤخرا واكتشفت –من دون ذكاء- انها صدرت عام 2008 فعدت الى قراءة رواية (فرانكشتاين في بغداد) لأحمد سعداوي التي صدرت عام 2013 فوجدت مطالع تشابه واختلاف تزيدان الروايتين قوة فكرية وفنية، ثم عدت الى قراءة رواية (عجائب بغداد) لوارد بدر السالم التي ترسم صورة استباحة بغداد بلغة أخرى وشخصيات اشكالية كثيرة لا تمت لتجربتي جمال وسعداوي مباشرة لكنها تقترب منهما بعزفها الشديد الاثر موسيقى الفجيعة وتقديمها جثة الرأس المقطوع المتحركة أنموذجا غرائبيا يشد المشاهد ويحفر عميقا في التاريخ والميثولوجيا، لكن لها تجربتها الدرامية الأخرى التي لا تتشابه ولا تتطابق مع حركة ومشاهد الروايتين السالفتين، فضلا عن تجربة برهان شاوي في روايته الغرائبية (مشرحة بغداد).
يصنع أحد علماء الفيزياء الطبية في بغداد التي دخلها مع قوات الاحتلال صياغة حياتية جديدة هدفها تخليق آدم جديد من جينات معدلة يستخلصها هذا العالم من جثث ضحايا الاحتلال والمليشيات والعصابات، بالاستفادة مما موجود من جثث في المشرحة الرئيسة التي استطاع الدخول اليها بمساعدة من صديقه وزير الصحة، وذلك بصياغة خارطة جينية معدلة للحصول على إنسان سليم الجسم والعقل والفكر، وذلك بتنظيف الكروموسومات الجينية من كل مشاعر الكراهية والعنف والسلبيات المجتمعية الأخرى، ليظهر إنسان جمال حسين علي الجديد.. السيد آدم، وسط زحام الموت نقيا صافيا حضاريا مغتسلا من الاثم والجريمة.
هكذا هو سعي هذا العالم الطبيب داخل المشرحة في أن يقدم لنا الأنموذج الإنساني الجديد خالصا صافيا في مجتمع جديد.
لا تقف رواية (أموات بغداد) عند مشاهد اعادة الصياغة بالتمهيد لها بمشاهد العنف والجريمة التي جرت خلال 2003 وبعدها، لكن (آدم) الجديد مكون من كروموسومات الضحايا لا القتلة وبذلك وهو الأصفى المعول عليه في حضارة تتصنع من جديد.
في رواية سعداوي (فرانكشتاين في بغداد) الصادرة في 2012 يشتغل البطل هادي العتاك على جمع ولصق ما يحصل عليه من أجساد ضحايا الانفجارات ليصنع (الشسمه) وهو انسان متجمع من هذه الاجساد حيث يقوم بقتل كل من استطاع الوصول اليه من القتلة الذي قاموا بقتل البشر الذين تكون منهم الشسمه، والذين يقتلهم الشسمه تخرج الاجزاء التي انتقم لها من جسده لتنبني اجزاء اخرى من اجساد ضحايا جدد.
بين حركة الشسمة المستمرة وتعاطف الضحايا معه تبرز قدرة العميد سرور مجيد على ملاحقته وحكايات هادي العتاك عنه في المقهى، وما أن يظن العميد الذي يلاحقه انه قتله وخلص الناس من لون من القتلة حتى يظهر الشسمة في نافذة في عمارة مجاورة تطل على الناس وقد تلبس روح الضحية حارس الفندق حبيب محمد جعفر للتدليل على مسلسل الدم والقتل والانتقام مستمر دوما.
لم يعطنا سعداوي وصفة خارجية للتهدئة ولا فعل جمال حسين علي ذلك رغم جودة الأنموذج الانساني الذي قدمه، وظل الجسم الذي قدمه وارد بدر السالم المقطوع الرأس يتجول مرهصا بالنماذج الفولكلورية السابقة في ميثولوجيا العراق تاريخيا، لكننا نتحرك مع (آدم) حارس مشرحة بغداد التي يؤرخ الحياة اليومية فيها برهان شاوي في روايته المسماة بذات الاسم.
آدم، شاب يعمل حارسا في المشرحة وهو يمر بتجارب الموت الدائمة مضطرا ويعمل على مساعدة الجثث وتعديل هيئاتهم ما أمكن لكنه يصطدم بوحشية القتلة وسلوكهم الدموي اللا متناهي خصوصا مع ذلك الصبي الذي نحروه ظلما بحجة انتمائه الى احدى التشكيلات المناوئة لتجربتهم الدموية.
هذا الحارس يتعايش مع كل تفاصيل (سكان) المشرحة من أطباء وفتيات مغدورات ونسوة تفجرن في باص كان ينقلهن ليجلسن لدى الحارس ويبدأن برواية ما حدث وسط فزع الحارس وخوفه الذي أوصله الى اكتشاف ان جميع من كان في المشرحة هم أموات قتلوا ذبحا او تفجيرا، بما فيهم الحارس الشاب!
أنهى برهان شاوي في روايته هذه متعة اكتشاف الحياة مرة أخرى، وصنع من الموت متاهة جديدة.
 العالم ميت في كل هذه التجارب الروائية لكن الحياة تنهض من جديد في رواية جمال حسين، في حين تظل رواية سعداوي تعيش مأساة تجديد الموت ضمن لعبة درامية أتقنها الكاتب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق