اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو

اللحظات التجريبية الكبرى في المسرح العراقي المعاصر – ح9

اللحظات التجريبية الكبرى في المسرح العراقي المعاصر ح9

 

فضاءات نيوز – د سعد عزيز عبد الصاحب

د. سعد عزيز عبد الصاحب يستأثر الفنان المخرج والسينوغراف (جبار جودي العبودي )(1967 ـ ) لنفسه بقدرات فنية غير مسبوقة في مجالي السينوغرافيا والاخراج المسرحي فهو تارة يعمل سينوغرافا ومؤثثا للفضاء المسرحي بتركيبية نادرة تتناص مع تركيبية (مايرهولد) في بنائيته وعمله على المسطحات والسكلات العملاقة ، وتارة اخرى هو يعمل بتجريد عال للفضاء المسرحي وذلك باسلبته وتجريده الا من مساقط ضوئية باهرة في زواياها والوانها ، فالحس التشكيلي لديه لا ينفصل عن عمل الممثل على الخشبة ومتطلباته الحركية عليها ، فهو اول من استخدم ووظف البروجكتر الضوئي كمفردة مسرحية وانزلها من عليائها ليتعامل معها الممثل بوجهه وجسده على خشبة المسرح وذلك بتشيئها في مسرحية (حرية المدينة) اخراج (حيدر منعثر) عام 1993 بتلك الحركة اللولبية للجهاز الضوئي بزاوية 360 وهو اول من استخدم (السكلات ) العملاقة والمسبح المملوء ماءا في مسرحية (الذي ظل في هذيانه يقظا) اخراج (غانم حميد) عام 1992 ومسرحية (الظلمة) عام 2013 وهي من اخراج (عادل كريم) ، يعتمد السينوغراف (جبار جودي) في تأثيثه للفضاء المواد والخامات الثقيلة الضخمة والمهيمنة على جسد العرض ، يحتاج لتنفيذ ذلك الى مساحات جغرافية واسعة ورؤى اخراجية مرنة وشفافة من قبل المخرج المسرحي تتطابق مع ما يبتكره من تصميمات منظرية ، والغريب ان (جودي) عندما اخرج عروضه بنفسه فيما بعد ذهب الى التجريدي والمختزل والمؤسلب والافتراضي وكذلك بساطة المواد الخامات المستخدمة في مفرداته الجديدة مستعينا بتقنيات الخشبة من (دوار) و(رمب) و(شاشات) لتحريك ذلك الفضاء المنظري الجديد ، والسبب في ذلك يبدو انه اراد ان يفصح عن قدراته السينوغرافية في اعمال الاخرين ليثبت انه موجود وبقوة كذات وكفاعل فني يجاري المخرج ولا يقل شأنا عنه في انتاج الصورة المسرحية او لتخفيف ما يحمل اثناء سفره لتمثيل العراق في المحافل الخارجية عندما اضطلع هو في الفعل الاخراجي ، وفي كلا المبدأين له الحق في ذلك ولا تثريب عليه ، قدم (جودي) كثيرا من العروض المسرحية بوصفه سينوغرافا حازت تصميماته على جوائز عديدة وتقديرات مهرجانية دولية كعرض (ذهان) اخراج احمد حسن موسى و(الظلمة) لـ (عادل كريم) و(ارض جو) لـ (كاظم نصار) و(المومياء) لـ (غانم حميد)و(روميو وجوليت في بغداد ) لـ (مناضل داود) و (انظر وجه الماء) لـ(عزيز خيون) وغيرها الكثير ، يسعى الدكتور (جبار جودي) الى خلق تصورات حداثية وما بعد حداثية في انشائية الفضاء المسرحي وبصرياته فهو بعد نيله لشهادة الدكتوراه في الاختصاص التقني أخذ ينتحي منحى تجديديا مغايرا وذلك في ادخال الوسائط السينمائية والفضاءات الافتراضية داخل عروضه المسرحية ايمانا منه بجدلية التطور المسرحي التقني وجمالياته المتغايرة حسب ما تقتضيه سيرورة وحركية العرض المسرحي المعاصر ، لقد استطاع (جبار جودي) ان يجرب في تفعيل الفضاء المسرحي سينوغرافا يجمع بين حرفتي الديكور والاضاءة بشكل متعاضد ومتواشج مما خلق هارمونيا بصريا لافتا في عروضه التي يقوم على تصميمها وتهيمن تصميماته السينوغرافية كثيرا بمستواها الجمالي العالي على القراءة الاخراجية للمخرج المسرحي فنرى تفوقا في صناعته مشهدية بصرية تجعل ادوات اغلب المخرجين قاصرة عن متابعتها وملاحقتها فنيا فتبقى صوره هي الحية والمهيمنة وهي الذاكرة المتبقية للعرض ، وعندما انفتح مخرجا للعرض المسرحي بشواغله الجديدة حاول ان يطوع جماليات لغة الصورة بوازع تأمل ضمني يخفي تحت رماده جمرات متقدة من تلك التي نفخ في مواقدها من قبل حميد محمد جواد وصلاح القصب وجواد الاسدي في جملة تناصات شكسبيرية من الميراث الاليزابثي وقصائد عراقية ممسرحة وسيناريوهات بصرية اوجدها وكتبها (جودي) بنفسه مقترحا انساقا جديدة للتحايث مع العرض المسرحي من قبل المتلقي بعروض (حصان الدم) و(خيانة) و(سجادة حمراء) و(في منزل الوزير النزيه) تمظهرت في هذه العروض سلطة المخرج السينوغراف بكامل سطوتها الجمالية وحضورها الفني الباذخ وارفق مقالا كنت قد كتبته عن مسرحية (حصان الدم) ونشر في جريدة الاتحاد البغدادية بتاريخ 4/4/2007 عنوانه (حصان الدم .. محاولة في كسر السائد المسرحي) اقول فيه : ( يسعى المخرج والسينوغراف جبار جودي في اول تجربة اخراجية له في انحيازه لصالح فلسفة التقنيات ومحاولة اقحامها في محنة التوليدية والتأويل من خلال اصطدامه بنص مسرحية (مكبث) لشكسبير وتوليد عنوان جديد لها (حصان الدم) ان يخلخل بنى الثابت الادبي المألوف جاعلا من متحفية الافكار الارسطية منطلقا للتمرد والانشقاق ، وقد استطاع ان يولد بنية ادبية محايثة قدمت لنا كمتلقين الثيمات الرئيسة في النص الشكسبيري من دون اطناب او استطالات في السرد مركزا على شخصية مكبث وتحولاتها النفسية والاجتماهية وحتى الايروتيكية ، باعثا حيوات كل من الشخوص (مكبث وبانكو ومكدف والليدي ) في لبوس مسرحي معاصر على مستوى الازياء والمتتمات المسرحية متحركا في اطار جملة فلسفية واخلاقية يرددها مكبث (الدم يقاضي الدم ) او الدم يطلب الدم وهو تناسل قصدي تاريخي لفاعلية الجريمة ودائريتها واثرها على المستويين النفسي والاجتماعي ، وقد جسدت هذه الثيمة من خلال انحياز المخرج للفضاء الفارغ المتقشف اذ عمل على خشبة المسرح الوطني بطولها وعرضها من دون تدخلات معمارية مستعينا بحصان خشبي جاثم كانت له دلالاته التأويلية في ان مكبث يمتطي صهوة هذا الحصان الدامي لا يترجل عنه وهو ذاهب به الى الهاوية ، اصبحت الاستعانة بهذا الفضاء العريض متعدد البؤر الحركية منطلقا في دعم البنية الفكرية والجمالية للعرض وقراءته الاخراجية في ضوء توصيله التجسيدي لفكرة الوساوس القهرية والاشباح التي تتجول في المكان وتطارد راس مكبث المحشو بالكثير منها ، وابداع المساقط الضوئية العمودية التي تجسم لنا مكبث لوحده مستلبا بحاجة الى الطمأنينة والسلام ، استطاع المخرج هنا ان يقدم لنا مكبث بلبوس (هاملت) في تردده مع فعل القتل لـ (دنكن) في تناص دعم اداء ممثل شخصية مكبث على المستوى . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق