اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو
يا فاديَ الدينِ من رأسك لأُصبعك كنتَ مع الله..كان اللهُ معك

بقلم الكاتب / جعفر محيي الدين _النجف
في زمنٍ تتناثر فيه الكلمات وتتباين المعاني، تأتي القصائد الحسينية كشعاعٍ من نورٍ يستنهض الأرواح، ويوقظ فينا الضمير الغافل، وينفخ في قلب الإنسان حرارة الولاء والبصيرة ومن بين هذه القصائد التي تحلق بعيداً عن التقليد والمألوف، قصيدة الحاج رسول محيي الدين، التي استهلها بنداء تهتز له القلوب (يا فادي الدين، من راسك لأصبعك، كنت مع الله، كان الله معك)
قداسة النداء وسمو المقصد…
منذ الوهلة الأولى، تعلن القصيدة عن مضمونها القدسي، وتكشف عن حبٍ لا يُقاس، وتقديرٍ لا يُحَدّ، للإمام الحسين (عليه السلام)، ذاك الفادي الأعظم الذي قدم روحه، ودمه، وأهل بيته، وكل ما يملك، فداءً للدين، وذوداً عن قيم السماء كلمات الشاعر لا تحمل مجازاً عابراً ولا استعارات مرهَقة، بل تفيض بإيمان صادق، ينسكب على القوافي كالماء الزلال على أرض عطشى
ما أعظم هذا التعبير أن يُقال عن بشر أنه (كان مع الله) فذلك مقام لا يناله إلا الصفوة من أولياء الله، وعباده المصطفين والحسين (ع) لم يكن مجرد إمام مظلوم، بل كان تجسيداً لصفاء الإرادة الإلهية، وصوتاً خالداً في معركة التوحيد، حيث اصطف في وجه الطغيان ليعيد للناس وعيهم، وللأمة كرامتها والقصيدة هنا، لا تقولها مجرداً عن التأمل، بل تُلبس العبارة حُلّة الخشوع، فتجعل القارئ في محرابٍ من التأمل الروحي
(من راسك لأصبعك)، ليس توصيفاً للجسد، بل هو استبطان لحقيقة التمام في العطاء، فالحسين عليه السلام، لم يدّخر شيئاً من كيانه إلا ووهبه للّٰه الرأس الذي علاٰ على رمحٍ، كان رمز العزة، والإصبع المقطوع هو إشارة إلى (خاتمه) الذي نُزع هو شاهد على بشاعة أعدائه، ولكنه في القصيدة شاهدٌ على اكتمال التضحية، وتَمام المحبة للّٰه
ما يميز هذه القصيدة الحسينية أنها لا تكتفي بالبكاء على المصاب، بل ترتقي إلى مستوى الرسالة، إذ تجعل من الحسين عليه السلام قيمةً كونية، لا تخص مذهباً دون آخر، ولا تنحصر في مأساة عاشوراء، بل تمتد لتلامس الوجدان الإنساني كله، من حيث إنها تصور الحسين كقيمة إصلاحية، وصوتاً أخلاقياً دائماً في وجه الظلم
في عوالم الشعر، كثيرٌ من الكلام يُقال ولا يُشعَر، ويُنظَم ولا يُحسّ لكن في قصيدة الحاج رسول محيي الدين، نُحسّ بحرارة المعنى قبل زخرفة اللفظ إنها قصيدة كتبت بالدمع، ونُطقت بالحزن الشريف، لا بالانفعال السطحي ويُحسّ السامع أن كل بيتٍ فيها يعبق بعطر الولاء، ويقف على أطراف الحزن النبيل
هذه القصيدة ليست مجرد أدب، بل هي عَقدُ ولاءٍ متين بين الإنسان والحسين عليه السلام. إنها صلاةٌ على هيئة كلمات، ومرآةٌ تعكس جوهر الحب الذي يربطنا بسبط النبي، رمز الفداء والخلود وكل من ينشدها، أو يسمعها، لا بد أن تُلامس في داخله تلك النغمة الخفية التي تربطه بكربلاء، حيث التاريخ اتشح بالعزة، وسجد الدم على تراب المبدأ
فطوبى لمن قالها، وطوبى لمن فهمها، وطوبى لمن جعل الحسين عليه السلام طريقاً لا مناسبة.