اخر الاخبارسياسيعمودقسم السلايد شو
ماذا يحدث بعد هزيمة إسرائيل؟!

ماذا يحدث بعد هزيمة إسرائيل؟!
بقلم – شوقي كريم حسن
تبدو فكرة “هزيمة إسرائيل” ضرباً من المستحيل في العقل الغربي، ومقامرة سياسية في الذهن العربي، لكن حين تتراكم التحولات وتتشابك الأزمنة وتُستنفد أدوات الردع، تصبح الهزيمة – لا سيما لهوية عدوانية استيطانية كهوية إسرائيل – مسألة وقت، لا مسألة قدرة. والسؤال: ماذا يحدث بعد أن تُهزم إسرائيل؟ بعد أن تفقد قوتها الردعية، وتنكشف هشاشتها البنيوية؟ ليس من السهل الإجابة، لأننا لا نتحدث عن زوال كيانٍ عاديٍّ، بل عن انكشاف مشروع استعماري ديني محمولٍ على أساطير وأوهام، ومدعوم بترسانة مالية وإعلامية وعسكرية هائلة.أول ما يحدث بعد الهزيمة هو الصدمة، لا في تل أبيب فقط، بل في واشنطن، ولندن، وباريس، وكل العواصم التي راهنت لعقود على “الوظيفة الإسرائيلية” بوصفها رأس رمح في صراع الحضارات، أو بوابة لتأبيد السيطرة الغربية على الشرق الأوسط. الصدمة ستكون معرفية أكثر مما هي عسكرية. إذ كيف انهار هذا الكيان، المدجج بالتكنولوجيا، والنووي، والاستخبارات الفائقة، تحت ضربات مقاومة محدودة الإمكانيات؟ وكيف انكشفت هذه المؤسسة العسكرية التي كانت توصف بـ”الأسطورية”، فإذا بها تنهار في الشمال وتتحلل في الجنوب، وتفقد قدرتها على شن حرب طويلة أو ردع شامل؟يتساقط الداخل الإسرائيلي كما تسقط منظومة الأوهام. ويتفكك النسيج الاجتماعي الذي تم حشوه قسرياً من قارات العالم الخمس، ويتفجّر الصراع الداخلي بين الشرقيين والغربيين، بين اليهود الروس والمغاربة، بين الأشكناز والسفارديم، بين اليمين الديني المتشدد والعلمانيين الليبراليين الذين يجدون أنفسهم أسرى لمشروع لم يعودوا يثقون في جدواه. ونشهد أكبر موجة هجرة معاكسة منذ إعلان الكيان في 1948. يبدأ الهاربون بالرحيل، بهدوء أولاً، ثم بذعر، مثلما حدث في سايغون أو كابل. وتتحول إسرائيل إلى قفص مغلق يخنق ساكنيه بعد أن كانوا يرونه ملاذًا.
يسقط الخطاب التوراتي الذي طالما تم توظيفه في تبرير العدوان، ولن تنفع بعد اليوم أساطير الأرض الموعودة ولا شجرة الزيتون التي غرسها بن غوريون. يعاد فتح النقاش العالمي حول شرعية وجود كيانٍ تأسس بالدم، والنكبة، والإرهاب، وسُوّق عبر الإعلام بوصفه ديمقراطية متقدمة في صحراء من الجهل. وتُستعاد ملفات الجرائم التي لم تُفتح يوماً: مذابح دير ياسين، وقبية، وصبرا وشاتيلا، وجنين، وغزة، والضفة، والاغتيالات المنظمة، والجدار العنصري، والسجون، والإعدامات الميدانية.هزيمة إسرائيل ليست حدثاً محلياً، بل زلزال عالمي. تتأثر به المنظومة الغربية التي دعمت الكيان بإخلاص أيديولوجي لا يُخفى. وتجد الولايات المتحدة نفسها أمام تراجع مريع في الهيمنة، لأنها خسرت موقعها المتقدم على خريطة الشرق، وخسرت “شرطتها المسلحة” التي تفرض بها إرادتها على الشعوب والأنظمة. ويجد حلف الناتو نفسه مكشوفاً أمام أسئلة جديدة: لماذا لم يتمكن من حماية إسرائيل؟ هل الحلف فعّال فعلًا؟ وماذا بعد؟
في المقابل، يتحرر الشرق الأوسط من ثقل الجرح المزمن الذي اسمه “القضية الفلسطينية”. ويتحوّل الصراع من مأساة إلى إمكان. ويتنفس اللاجئون لأول مرة دون ألم. ويتحول حلم العودة من شعار في نشيد إلى طقس يومي على الأرض. المدن المهجّرة تُعاد تسميتها بأسمائها الأصلية: حيفا، يافا، اللد، طبريا، عكا، المجدل. وتُرفع الأعلام الفلسطينية في الساحات التي سُلبت منها. لن يعود الفلسطيني إلى الأرض ، بل تعود الأرض إلى الفلسطيني.لكن الحذر واجب. لأن ما بعد هزيمة إسرائيل لا يعني بالضرورة انتصارًا فوريًا للمشروع العربي أو الإسلامي، فالهزيمة قد تخلّف فوضى كبرى إذا لم يك البديل مؤهلاً. الكيان حين يسقط، يترك وراءه فراغاً أمنياً وعسكريًا واقتصاديًا، وكي لا يُملأ هذا الفراغ من قِبل قوى إقليمية انتهازية أو قوى دولية استعمارية جديدة، لا بد من تصور واقعي لما بعد السقوط. هل نشهد نظامًا فلسطينيًا موحدًا يحكم دولة ديمقراطية لكل مواطنيها؟ أم تتقاتل الفصائل على بقايا الخراب؟ هل يتدخل العرب لتشكيل مستقبل فلسطين، أم يُعاد إنتاج سايكس بيكو جديد؟
ما يحدث بعد هزيمة إسرائيل، باختصار، ارتجاج عميق في بنية النظام العالمي. ارتجاج أخلاقي، وسياسي، واستراتيجي. إنها نهاية مرحلة، لا لاحتلال فقط، بل لقرن من الهيمنة والتواطؤ والصفقات. وهي بداية سؤال مفتوح: هل نحن مستعدون فعلاً لما بعد إسرائيل؟ ليس سردية عاطفية، بل واقع؟ هل نمتلك مشروعاً بديلاً؟ خطابًا جامعًا؟ عدالة حقيقية لا تنزلق نحو انتقام؟ لأن الهزيمة وحدها لا تكفي؛ المهم ما نصنعه نحن من بعدها!! .