اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو

فاروق مصطفى: أنا اهرمُ في وحدتي

كتابه السردي عن (حياة) وتحولات حكاياتها المتعاقبة

 

 

ابراهيم قوريالى/ كركوك 

لستَ وحيداً البتة، كلنا اولادك ولن ندع الوحدة تهرمك ابداً، انه آخر ماتبقى من خليفة جماعة كركوك الاولى، اطال الله عمره، هو الكاتب الوحيد الذي عندما اقرأ كتاباته يكون قلمي بين السبابة والابهام ومستقر على الوسطى رغماً عني لأرسم دوائر حمراء على كلمات لا أجدها في الكتب الاخرى وهي أي الكلمات للأسف الشديد في طريقها الى الزوال مع أشياء جميلات سبقتها منها( صبابات،يمغنطي، الأخيلة، تسقسق، صِنو كركوك، سكائن الخلاص، يخوشِبُ جسدي، ساعات العصارى، ما اصفى امواهه، الارتياض، البلل المائي، الارتياض، استغوار، هسهسة، الفصل صائف، الحبق، قيظ الهاجرة، بافاوية الخيال، الدوزنة التي تتموسق، المنداح، سفائننا) والعشرات منها ومن الطبيعي جداً انْ أعود اليه للاستدلال ليس على معناها بل فحواها والغاية منها، اعتقد إنه يضيف صفة (البديع) على كتاباته لتكتمل البلاغة بوجود البيان والمعنى. نعود للكتاب ونرى ما يحويه ونبدا من الصفحة ١٣ شتان مابين دولة ودولة، علي بدر كتب( اجاثا كريستي سكن في فندق بيرا في اسطنبول سنة ١٩٢٨ ورقم غرفتها ٤١١ والتي بقيت كما هي( أي لم تتغير فيها أي شي بعد مغادرتها ليومنا هذا واصبحت رمزاً ثقافيًا يجذب السياح والمثقفين) عكس محطة قطار كركوك التي هبطت فيها الروائية الكبيرة وهي في طريقها الى مدينة موصل حيث دمرتها المعاول لتكون مرآبا للسيارات ص١٣. الحظ العاثر لفقير مثلي ولربما امثّلُ الاغلبية الصامتة من العشاق انهم يعشقون فتاة ثرّية ويحترقون بلظاه والشقاء بانتظارهم وهنّ لا يتزوّجْنَ من الفقير! هكذا يقول والد (ديزي) في كتاب غاتسبي العظيم، ماهي حياة هذه الفصيلة؟ هل هو ينتمي اليها؟ لا اعتقد ذلك لان فاروق مصطفى ذكي بما يكفي ليعشق ثرية ما عكسي تماماً ص٧، مازلنا في بداية حكايته مع حياة التي عرفناها في الصفحة ٤٤ أثناء تواجده في دولة الجزائر وهي ليست الوحيدة في حياته ويقول في هذا الصدد أيضا (تعرفت على امرأة تعلمت منها، حسن المعشر،الاحترام المتبادل، وتقدير اراء المقابل) وواحدة اخرى قسطنطينية الآصل قالت له بكل وقاحة وشماتة ستعيش كهولتك مبكرة دون نساء! ربما صدقت لان مصطفى فقد رفيقة عمره اثر مرض عضال وهي لازالت في عنفوانها الخمسيني وكم تألم لهذا الفراق الصعيب! نشاطره الأحزان ونرفع عنه جزءا ولو يسيراً منها. حكاية محطة قطار كركوك والطريق المؤدي لها من منطقة احمد آغا مروراً بساحة العمال وبيوتاً تغطى واجهتها اشجار الدفلى تكون حاضرة وبقوة في معظم كتابات مصطفى ربما لقرب منزل والده الذي يقع في منتصف منطقة جرت ميدان ص ٥٦ او لوجود حكاية اخرى يخفيها عن الجميع! مصطفى أشار الى ابن منطقته الشاعر الدكتور عبدالخالق البياتي الذي رحل قبل عدة سنوات في ديار الغربة من خلال اخيه الصغير (عبدي) والأخير من الشعراء الاوائل الذين برعوا في كتابة الشعر الحر التركماني ونشرت قصيدته الشهيرة ( نيسان) سنة ١٩٥٤ في جريدة البشير وقد أسماها الأستاذ العلامة الراحل عطا ترزى باشي ( قصيدة منثورة)، ثم اشار الى أقدم اسكافي في منطقته العم ( جبار) الذي افتتح محله سنة ١٩٦٢ ويسترزق منه لغاية يومنا هذا والذي يذكّرني دائماً بإنني ولدتُ يوم افتتاح محله لان والدي جاء ليهنئه بافتتاحه المحل وليخبره ايضاً أن كاتب المقال قد وُلِدَ في نفس اليوم ص٥٩. مصطفى حزين جداً وأنا ايضآ مثله عندما رأى حدائق ( القلعة والمجيدية وام الربيعين وغيرها ) تتحول الى مآربَ للسيارات تستفاد منها جهة ما ولتذهب الى الجحيم خضرتها! هكذا يقولون المهم انهم يجنون أموالاً طائلة منها ولا يهمهم جمالية المدينة مطلقًا ص٦٢ وعزاهُ الوحيد هى شجرة يوكالبتوس الوحيدة التي بقيت آمنة ليومنا هذا والسبب ان اطرافها لا تصلح للاستثمار المالي حالياً وماذا بيديه ان يفعل؟ لاشيء سوى الاستماع الى اغنية تركمانية حزينة (حال عودته مساءً والحزن يلفه لان المساحات الخضراء بدأت بالانحسار تدريجيًا)وترجمها الى اللغة العربية وهي من كلمات وغناء الدكتور الاديب والاعلامي الراحل سنان سعيد مع زوجته الاذربيجانية (والد الممثلة القديرة في الثمانينات أمل سنان سعيد التي ابدعت في مسلسل نادية) وهو ابن كركوك الاصيل والمولود في قلعتها التاريخية، تطرق مصطفى الى مَعْلم من معالم كركوك الحضارية وهي دور العرض ( السينمات) حيث كتب هذه العبارة ( اخلاقنا وضمائرنا معروضة على الشاشة) وكانت العوائل الكركوكية تواظب الحضور فيها خصوصاً عند عرض الافلام الاجتماعية وخاصة عند العرض الثاني الذي كان يبدأ في تمام الساعة السابعة مساءً بتوقيت الثقافة العامة السائدة وقتذاك واستمرت تلك الايام الذهبية الى نهاية السبعينات تقريباً،واستعرض مصطفى اقدم سينما في كركوك ( الملك غازي)والافلام التي بقيت في خيال الكركوكيين منها ( وداع للسلاح، احدب نوتردام ، موبي ديك) وغيرها وكيف ان كركوك اصبحت خالية من دور العرض في الوقت الحاضر للأسف الشديد ص٧٣. مصطفى من اشد المتابعين لجماعة كركوك الاولى فقد عاش حينًا من الدهر معهم وتطرق الى اسمين مهمين وهما قحطان الهرمزلي وسرگون بولص وحديثهما عن قلعة كركوك وانحسار مياه نهر خاصة وتطرق ايضاً الى اسم الفنان الكبير المطرب عبدالواحد كوزجي رائد الغناء التركماني في الخمسينات ثم دلف الى هندسة سوق القيصرية، والجدير بالذكر ان تلك القيصرية تحمل هندسة زمنية خاصة حيث لها اربعة ابواب ترمز الى عدد فصول السنة و١٢ فرعاً بقدر اشهر السنة و٣٦٥ محلاً تجارياً نسبةً الى عدد ايام السنة والحمدلله قبل سنة من الان عادت سالمة غانمة زاهية بعد ان تعرضت لحريق لم يبقي منها شي قبل اربع سنوات، واضاف، لايوجد شاعر في كركوك لم يتغنى بجمال القلعة ونهرها وجسرها الحجري القديم والحمدلله ايضاً تم بناء جسر جديد قبل عشر سنوات ذو الابواب الخشبية يطل على باب القلعة مباشرة على طراز تاريخي في نفس مكان الجسر الحجري الذي دمره فيضان كركوك سنة ١٩٥٢، مصطفى قرر ان يصعد الى قلعة كركوك ويلج في دهاليزها عسى انْ يجد شيئا في مقام النبي دانيال او في كنيسة الكلدان او في بيت الأديب الراحل وحيدالدين بهاء الدين لكنه اضاع المفتاح للأسف وعاد الى بيته في منطقة الماس بعد ان أشار لشاعرين كبيرين كان لهما دوراً كبيرًا في اغناء ساحة الشعر والثقافة والادب في كركوك الأب يوسف وسيف الدين الخطيب ثم تطرق الى موضوع مهم وكشف حقيقة الروائي هنري ترويات صاحب رواية العنكوب والحاصلة على جائزة (جونكور سنة١٩٣٨) التي استحوذ عليها من صديقه بعد ان استحوذ على زوجته ايضاً (قمة الحقارة والنذالة)ص٨٤. حسناً فعل مصطفى عندما ذكر( ملتقى الزمن) الذي يسعنا جميعًا من الساعة العاشرة صباحاً الى بُعيد صلاة المغرب بقليل، انها صومعة المثقفين والأدباء والشعراء منهم ( عدنان ابو اندلس، فهد الدوخي، صاحب الكتاب ، كاتب المقال، موشي بولص، عبدالكريم خليفة بهجت غمگين، محمد حمزلى، صباح بولوص وغيرهم ) هولاء هم من المريدين الدائميين فيه وما ان تجلس هناك حتى ياتيك الشاياتي ومعه استكانة شاي مَكْرمة من صاحب الملتقى محمد خضر الشخص الذي يحبه كل من يجالسه او يتعرف عليه والجدير بالذكر هنا حقيقةً له دور كبير في ايصال الثقافة الكركوكية الى بغداد حيث الشهرة والابداع والانفتاح واعتقد ان مصطفى قد ردّ نيابة عنا دَين كان على عاتقنا ص ٨٨، في الصفحة ٩٧ غيّر مصطفى اسلوبه الكتابي من (أنا) الى هو وبعد ان اتممتُ قرائتي ( المقال) لم اعرف من هو المقصود وما يهمني هو جملة اعجبتني كثيرًا ( الشعر وكركوك صنوان لا يفترقان). مصطفى عاشق للشتاء ومن الصدف الجميلة ان هذا الكتاب صدر في شتاء٢٠٢١ ومقالتي ايضآ كتبتها في شتاء دون مطر!، ويذكر أيضًا انه يتناغم كثيرًا مع (اصوات الصمت تخترق الأذان) وهو يراقب العم نادر حارس مقبرة سيّد علاوي التي تضم رفات أهلنا واقربائنا ص١٠٣، ثم كتبَ عن حكاية رجال كانت لهم أصوات مسموعة من قبل الاهالي منهم الاصيل عزت آوجي (الصيّاد) ذلك الرجل الطيب الذي كان صياداً ماهراً ويسكن في زقاق يحوي ثلاثة بيوت فقط كان احدها لقريب والدي الاسطة علي صالح الذي كان يعيش مع والدته الثكلى( العمة ماهية) والتي كانت تحكي لنا كيف ان زوجها كان ضابطاً واستشهد في جبهات روسيا اثناء الحرب العالمية الاولى والتي كانت تسمى في كركوك( سفر برليك) ص١٠٨، وفي الختام حسناً فعل مصطفى عندما أشار الى شاعر يشار له بالبنان وهو من اعضاء جماعة كركوك الاولى(صلاح فائق وزوجته الروائية هيفاء زنگنة)كيف انهما غادرا العراق في سنة ١٩٧٥ الى دمشق والتقى بهم هناك ثم عاد بعد سنة٢٠٠٣ والتقى مع زملائه من الشعراء وغيرهم. الكتاب (من إصدارات اتحاد أدباء العراق/ بغداد والشكر موصول لهم) وهو يحمل بين طياته الكثير من المعلومات المكانية والزمانية والتاريخية والجغرافية والثقافية وكلها تدور على محور واحد هو كركوك، على العموم اعتبره مرجعًا أدبياً وثقافيًا واجتماعيًا كُتِب على نهج ( مختصر مفيد) فعلاً يستحق الاهتمام والتقدير كما يستحق كاتبه كل الثناء والشكر نتمنى المزيد من عُرَّاب أدباء كركوك فاروق مصطفى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق