ثقافة وفنونمنوعات

هل يحق للفنان التعبير عن رأيه؟

فضاءات نيوز – متابعة

هل يحق للفنان أن يعبّر عن رأيه في قضية، سواء سياسية أو قضية رأي عام أو في مسألة دينية؟

سؤال بات يطرح نفسه وبقوة في الآونة الأخيرة، عربيا على الأقل، في ظل حالات اضطرابات وقلاقل يشهدها عدد كبير من دولنا العربية، على اختلاف درجة حرارة هذه الاضطرابات من بلد لآخر، ومدى تشنّج طرفي هذا الخلاف أو ذاك بين مؤيد بشدة ومعارض بشدة.

ويبدو الأمر ملحا بالنسبة لنا نحن العرب لأن أغلبنا اعتاد التعامل مع الأمور وكأنها حزمة واحدة. إذا تدخلت روسيا للدفاع عن سوريا بحكومتها الحالية فهذا يعني، حسب الكثير من العرب، أنه يجب عليها أن تعادي إسرائيل!.. هكذا بكل بساطة!!!

وبالعودة إلى السؤال المطروح ومن حيث المبدأ.. بالطبع يحق للفنان أن يعبّر عن رأيه، شأنه في ذلك شأن أي مواطن، ما يجعل صيغة السؤال الأصح هنا هي.. تُرى ما الذي يحول دون بعض الفنانين وحقهم في التعبير عن آرائهم؟ بل أن هؤلاء يفضلون الإدلاء بآراء تتعلق بقضايا حساسة، لتبدو هذه الآراء وكأنها تستند إلى قاعدة “إرضاء الجميع”.. علما أننا نعلم جميعا قول الإمام الشافعي المأثور “إرضاء الناس غاية لا تُدرك”.

يحاول هذا النوع من الفنانين السير على حبل في السيرك، كي لا يهوي في سقطة تتحول سريعا إلى ممسك.. بل خطيئة لا تُغتفر، وإلا فسيجد نفسه في مواجهة مع أي من جمهوره، فترى هذا المسكين يجاري الطرفين، ما يجعل هذا الفنان في وضعية لا يُحسد عليها.

فإذا عارض حكومة بلاده ينبري البعض، على اختلاف مستوى الوعي لديهم، لتوجيه سهام اللوم والانتقاد بوصفه خائنا وناكرا للجميل، فيُحارب في رزقه وفي سمعته في الكثير من الأحيان مع الأسف الشديد، وهو رد الفعل المماثل تماما في حال كان الفنان من مؤيدي الحكومة، وعبّر عن رأيه هذا. فتنهال عليه الشتائم بأنه “بوق النظام” ومطية له “للتنفيس عن غضب الشعب” وما إلى ذلك.. مع الأسف الشديد أيضا.

ومعلوم أن الحكومة ليست هي الوطن. وكل مؤيد أو معارض، إنما ينطلق في مواقفه وآرائه من شعوره بالانتماء لذلك الوطن. والفنان، كأي مواطن، لديه حد أدنى من الوعي، ليس مطالبا أن يسبح مع التيار، أو أن يخرج في مظاهرات، ولا أن يقود هذه المظاهرات كما يتمنى بعض المتحمسين إرضاء لفئة على حساب أخرى. لكنه، وكأي مواطن أيضا، له كامل الحق في التعبير عن رأيه.

فلماذا حلال للجميع وحرام على الفنان الذي قد يتحول إلى ضحية جمهوره في لحظة؟!

لحظة ينطلق بعدها الفنان، بعدما أن تقع “الفاس في الراس”، في استعراض مواهبه لإثبات أن ما تفوه به لم يكن سوى زلة لسان. ثم يبدأ في التملص من حديثه، واصفا إياه بأنه كلام مُقتطع، أو “أسأتم فهم ما أردت قوله”، إلى آخر التبريرات المعروفة، التي يقنع المعجب بها نفسه، ليبقي على مبرر أخلاقي، من وجهة نظره، يسمح له بمتابعة أعمال فنانه المحبوب والتعبير عن إعجابه بها.. على الرغم من أنه ليس بحاجة لكل هذه التبريرات، كل ما هنالك أن عليه الفصل بين الأمرين.

تكمن المفارقة في أن ممثلي طرفي الخلاف يتحدثون عن حرية الرأي وينادون بها، لكنهم في المقابل، يصادرون حق الفنان في إبداء رأيه صراحة.. والحديث هنا ليس عن بعض الحالات الاستثنائية من الجمهور، بل عن قطاع عريض من الجماهير إن لم يكن السواد الأعظم.

لكن، هل الفنان هو من يتحمل مسؤولية انعدام الوزن هذا؟ وماذا لو عادت المياه لمجاريها بين الفنان والسلطة، تُرى ما هي المشاعر التي ستنتاب المشاهد “الملكي أكثر من الملك”، بينما يشعر وكأن لسان حاله يغني.. “كلمه تجيبني وكلمه توديني”؟

يجد الفنان نفسه أمام انعدام للوعي المجتمعي (ذات الوعي الذي يفترض أن يعمل الفنان على السمو به)، فتراه ينأى بنفسه عن أتون هذه المعركة، ويحاول السير على الجليد الرقيق، كي يرضي كل محبيه ومعجبيه من معسكري النزاع أو الخلاف.

جميعنا يعرف مقولة الرئيس الأمريكي جون كينيدي: “لا تسأل ماذا قدم لك وطنك، بل اسأل ماذا قدمت أنت لوطنك”. لا أرى تلك المقولة انعكاسا لواقع الحال، بل وأرى من الصعب تقبلها واعتمادها تعبيرا عن الحب والامتنان للوطن.

لا.. بل يجب أن يُسأل الوطن عمّا قدمه للمواطن. لأن الوطن، أو القائمين على “هذا المفهوم المبهم” المسمى وطنا، ملزمون بتقديم كل ما يجب تقديمه للمواطن، بما في ذلك الرفاهيات. فالوطن كالأب المُلزم أن يفعل كل ما في وسعه وأكثر في سبيل راحة أبنائه.. بعيدا عن كينيدي ومقولته الطوباوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق