ثقافة وفنون

كتاب ” خرافة الإلحاد ” يفضح نهج وشبهات الملحدين

 

فضاءات نيوز – متابعة

انتشرت أخيراً بشكل كبير على صفحات التواصل الاجتماعي صفحات تدعو إلى الإلحاد والكفر وكذلك فيديوهات لحرق المصحف الشريف وشتم الذات الإلهية باللغة العربية وفي بلاد عربية مما يجعلنا نفكر في هذه الظاهرة. ولذلك يتناول كتاب “خرافة الإلحاد” للكاتب أحمد سيد شحاته موضوعاً مهماً يحتاج إلى المزيد من الدراسات. فقد عالج الكاتب الموضوع من خلال تخصصه في العلوم الشرعية واستخدم منهج المناظرات والمقابلات في دراسة الموضوع حيث قام بمقابلات مع بعض من يدعون الإلحاد. ووضح مفهوم الإلحاد وأسبابه وعرض حجج وآراء بعض الملحدين ورد على الشبهات التى يتمسلك بها الملحدون. وشرح كيفية الوقاية من الإلحاد ثم ذكر العديد من التوصيات التي يجب الأخذ بها لترسيخ الإيمان بالله عز وجل.

 

تعـريف الإلحـــاد:

فسّر المؤلف في بداية دراسته معني الإلحاد في اللغة ومفهوم الإلحاد. ففي اللغة: ألحد بمعنى: مالَ، وعدل، ومارى، وجادل، وجار، وظلم. ولحد الرجل في الدين لحدًا، وألحد إلحادًا: طعن. واللام والحاء والدال أصل يدل على ميل عن الاستقامة. واللحد حفرة مائلة عن الوسط، وألحد فلان: مال عن الحق. والإلحاد هو مطلق الميل وترك القصد؛ يقال: ألحد الرجل إذا مال عن طريق الحق والإيمان. وألحد في دين الله: إذا حاد عنه وعدل به شيئًا آخر. ولحد في الدين وألحد فيه: إذا طعن فيه. وألحد في الدين: إذا شك فيه واعترض عليه.

والإلحاد في الشرع هو: الكفـر بالله تعالى والميل عن طريق أهل الإيمان والرشد وجحد الرسالات السماوية وتكذيب الأنبياء وإنكار الحياة الآخرة والبعث والجنة والنار وتكريس العمر للدنيا فقط.

والملحد كما يقول المؤلف أشد كفراً من المشرك، فالأول ينكر وجود الله أصلًا بينما يثبت الآخر وجوده ولكنه يثبت معه شريكًا. وبين الإيمان والشـرك والإلحاد تأتي طائفة تسمى “اللاأدرية”، ولسان حال الإنسان اللا أدري: لا أدري.. هل الله موجود…؟ هل الله غير موجود…؟ لا أدري ولا أعرف، هل هناك عالم آخر…؟ هل هناك أرواح…؟ هل هناك ثواب وعقاب…؟ لا أدري. ويرى اللاأدري أن كل معرفة هي معرفة نسبية وليست أكيدة، ولا يمكن الجزم بأمر ما، فما أراه أنا صائبًا يراه غيري خاطئًا، والعكس قد يحدث، بل أن حكم الإنسان في أمر ما قد يختلف من وقت إلى آخر، ومن ظروف إلى أخرى، ولذلك فالأفضل أن أقول أنني لا أدري. والإنسان اللاأدري مثل إنسان أعمى تائه لا يدرك طريقه، وكريشة في مهب الرياح تحملها كيفما تشاء، والفكر اللاأدري لا يشبع الإنسان، بل يجرّده من شخصيته ويتركه في متاهة، ولن يعفيه من مواجهة المصير المحتوم عندما يحاسب الإنسان أمام الديان العادل.

ودلل المؤلف على وجود الله عز وجل بقوله إن الله خلق الخلق، ودلّهم عليه من خلال بديع صنعه، وآثار قدرته، وفطر الناس جميعاً على ذلك؛ فإن المشـركين والكفار لم يستطيعوا أن ينكـروا وجوده، ولا أن ينسبوا الخلـق لأحد غـيره، لأنهم لا يستطيعون أن يخالفوا أحكام العقول، فليس يعقل أن يكون الخلق بلا خالق، ولم يدّع أحد من المخلوقات أنه الخالق، فثبت أن الله  خالق الخلق، وصانع الكون بلا منازع

ولم يشذ عن هذه القاعدة الثابتة منذ بدء الخلق وإلى الآن غير شرذمة قليلة لا تكاد نسبتهم تساوي شيئاً في عدد من يؤمن بالله وأنه الخالق جلّ وعلا.

وقد كانوا الملحدون فرادى لا يذكر لهم شأن ومهزومين لأنه لا حجة عندهم ولا دليل على ما يقولون، فمجرد المواجهة لهم مع أقل الناس إيمانًا يظهر عورهم، ويتبين عجزهم، فما كان لهم من خطر على ذي دين، حتى فتح لهم الباب على مصـراعيه من خلال المواجهة المتخفية، خلف صفحاتهم المشبوهة على الإنترنت يبثون فيها سمومهم، ويستقطبون شباب الأمة ممن لم تتمكن العقيدة من قلوبهم، وأهمل الآباء والمربّون متابعتهم، ليلقوا في قلوبهم الشبهات، ويزّينوها لهم بالشهوات.

وأكد المؤلف أن أسباب تأليف هذا الكتاب تصاعد خطر الملحدين وخبثهم ومكرهم، وقلة الوعي الديني عند كثير من الشباب في هذه الأيام، فكان لا بد من تسليط الضوء عليهم، وتفنيد شبهاتهم، وبيان كذبهم وضلالهم، وتحذير الشباب منهم، أو على الأقل تسليحه بالأجوبة الشافية على شبهاتهم وشكوكهم.

 

أسباب الإلحاد :

ويفند المؤلف أسباب الإلحاد قائلاً (من الاستسلام لوساوس الشيطان وزينة الشهوات والانبهار بالحضارة الغربية وكثرة الخلافات في البيئة الاسلامية وغير ذلك من الأسباب. بالإضافة إلى جهات أجنبية تدعم الملحدين وتفتح لهم أفاق بلاد غربية، وعدم وعي الشباب وسطحية معلوماتهم عن الدين تجعلهم فريسة للمغرضين من هؤلاء”.

ثم أثبت الكاتب فطرية الدين عند جميع البشر وأنه الأساس وأن الالحاد شذوذ وانتكاس. ثم ذكر أمثلة من الملحدين الذين رجعوا عن إلحادهم مع إلقاء الضوء على تجربتهم في الإلحاد وكيف عادوا إلى الإيمان.

 

شبهات الملحدين

ثم ناقش الكاتب شبهات الملحدين ورد عليها بالحجج والإقناع ومن هذه الشبه شبهة “إذا كان الله خلق الخلق فمن خلقه”، وشبهة خلق الشر ووجود الظلم في هذه الدنيا من خلال تبسيط قضية القضاء والقدر للفهم.

ثم هدم الكاتب دعائم الإلحاد ونظرياته من خلال تفنيد نظرية التطور التي يعتمد عليها الإلحاد والرد عليها علمياً. ثم أثبت أن النظريات العلمية تهدم خرافات الإلحاد وذكر مثالاً لذلك نظرية الكوانتم.

 

حوارات الكاتب مع الملحدين

وأجرى الكاتب العديد من الحوارات مع الملحدين منها سؤال الملحد ما هذا الإله الذي له يد وعين ويغضب ويرضى؟ قلت له أما الجزء الأول من السؤال فإجابته كالآتي: هل تعلم أن الإله الخالق لا يمكن أن يكون من جنس المخلوق قال نعم .. لا يمكن أن يكون مادة ولهذا أسأل فقلت له ما دام الله سبحانه لا يشبه شيئا من المخلوقات فكذلك صفاته لا تشبه شيئا من صفات المخلوقات فهو سبحانه يحب ويرضى ويبغض بلا كيفية لأننا لم ندرك ذات الله حتى ندرك كيف يضحك ويغضب وهو سبحانه رفع عنا الحيرة في هذا الأمر في قوله تعالى “ليس كمثله شيء” ثم ان هذه الألفاظ لها معان أخرى تليق بذاته فيمكن أن يكون ضحكه يعني رضاه.

ثم أرشد الكاتب إلى الطريقة المثلى للتحاور مع ملحد وكيف تتعامل مع شبهاته وترد عليها، والتي تتمثل في الرد على الشبهات من علماء لديهم القدرة على الإقناع.

 

الوقاية من الالحاد في بلاد المسلمين

عدد الكاتب مجموعة من النقاط لوقاية الشباب المسلم من خطر الإلحاد ويمكن أن نجمل بعضها في النقاط التالية:

  • العناية بالرسوخ العلمي الذي يناقش تفاصيل القضايا العقدية والفكرية القديمة والمعاصرة.
  • فتح مراكز متخصصة في رصد الأفكار التي تبث في مواقع التواصل الاجتماعي والكتب ومعالجتها.
  • إعـداد فريق كبير وتدريبهم وتهيئتهم علميًا وعقليًا على فنون المناظرة وأصول الجدل في المنتديات التي تبُث مثل هذه الأفكار وتحصينهم وتجهيزهم بكل ما يحتاجون من دعم نفسي وعلمي لمواجهة هذه الأفكار.
  • الاستفادة من المتخصصين في الأقسام العلمية في تبسيط كثير من النظريات العلمية في الفيزياء والفلك والجيولوجيا والأحياء وغيرها حتى يتم الاستفادة منها في رد شبهات الملحدين.
  • يجب على من يتصدى للإجابة على الملحدين أن يكون قويًا في مادته العلمية، محاورًا ومجادلًا على قدر من الفطنة والذكاء، خبيرًا بشبهات الملحدين، مطلعًا على الجديد من شبهاتهم، وإلا خرج رده ضعيفًا هشًا فأفسد بدلاً من أن يصلح وأساء قبل أن يحسن، فإن الرد الضعيف لا يشفي غلة، ولا يرد شبهة، بل قد يزيد في تمكنها لعجزه عن إزالتها، فتقوى وتشتد.

 

توصيات الكاتب للجهات المسؤولة في العالم العربي والإسلامي

في نهاية الكتاب قدم الكاتب عدداً من التوصيات إلى الجهات المسؤولة من حكومات ورؤساء ووزارات الأوقاف والدعوة والأزهر الشريف عما يجب عليهم أن يقوموا به لمواجهة ظاهرة الإلحاد. ويمكن أن نوجزها بما يلي:

-على القائمين على التعليم في بلادنا العربية والإسلامية إعادة مادة التربية الدينية إلى المقرر الدراسي، وجعلها أساسية ومضافة إلى المجموع.

-على الأوقاف أن ترسل قوافل دعوية لأئمة ووعاظ متمكنين من الرد على الشبهات إلى المدارس والجامعات “المجتمعات الطلابية” فتستمع إلى ما يدور في أذهانهم من شبهات وأسئلة فتجيب عليها.

-على الأزهر أن يجعل مادة مستقلة تدرس في الكليات الشرعية خاصة بمواجهة الإلحاد.

-على ولاة الأمور، الآباء والأمهات، العبء الأكبر في الاهتمام بغرس العقيدة في نفوس أبنائهم وبناتهم والاهتمام بها كما يهتمون بتعليمهم في المدارس والجامعات وكما يحرصون على تفوقهم فيها أو أشد.

-على الآباء والأمهات تعلم أصول التربية، وتجنب الأخطاء التي قد يقعون فيها من غير قصد: “ليكن أول ما تغرسه في طفلك هو حب الله وليس الخوف منه”. فما إن يكبر الطفل حتى يسمع أول ما يسمع أن الله سيحرقه ويعذبه بالنار إذا أخطأ فيشعره ذلك بالخوف والرهبة من الله وربما كراهيته. مع أن المفترض أن يكون أول شعور للطفل بالله هو الحب والامتنان وليس الخوف. فعليك -كما يقول الكاتب- أن تعلّم طفلك أولاً أن الله يحبه وأنه أنعم عليه بنعم كثيرة وأنه وهبه أباه وأمه وأنه لا يعذب إلا المعاند المصـر على الخطأ. لكن من أخطأ واعتذر فإن الله يغفر له ولن يعذبه. ويقول الكاتب: “اغرسوا حب الدين في نفوس أولادكم من الصغر ولا تنفروهم منه”.

ويحذر الشباب من الدخول إلى مواقع الملحدين أو الاستماع إلى شبهاتهم قبل التحصن بالأدلة الكافية في الرد عليهم.

كما يوصي المعلم قائلاً: أخي المعلم أنت حصنٌ منيع بتوفيق الله من الوقوع في أُتون هذا الفكر. عقول الناشئة مفتوحةٌ بين يديك. إذن المسؤولية الملقاة على عاتقك عظيمة. ما الذي يضـر كل معلم لو خصص ثلاث دقائق في كل حصة يذكر فيها قصةً من السيرة، أو دليلًا من دلائل النبوة، أو ينبه على خلُقٍ فاضل، أو سلوكٍ خاطئ، أو يرشدهم إلى رسالة أو كتابٍ نافع؛ وهذا ليس واجب مدرس المواد الدينية فقط، بل هو واجب الجميع. بل لو أن معلم الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء –مثلًا- نفذ من خلال النظريات والحقائق العلمية الحديثة إلى تعميق الإيمان بربوبية الله وعظمته، وتوهين شبه الملحدين لكان في هذا الخير العظيم.

كما يوصي علماء الدين قائلاً: أئمة المساجد والخطباء… الشباب الشباب الله الله في الاعتناء بهم وجعلهم يلتفون حولكم ويحبونكم ويطرحون مشاكلهم لديكم، شباب اليوم يختلف عن شباب الأجيال الماضية إنه منفتح على العالم، يسهل عليه الانخداع بزخرف القول، وقد يخدع بأضعف الشبه، إجعل خطبة الجمعة ملاذاً لكل حائر، وإجابة لكل سؤال، انزلوا إلى واقع الشباب، لامسوا مشاكلهم، كونوا عوناً لهم على الشيطان ولا تكونوا عوناً للشيطان عليهم. يجب أن تنمي من قدراتك على الإقناع، وتزيد من حصيلة علمك، وتكون على دراية بالتقنيات الحديثة وكيفية الاستفادة منها والوقاية من خطرها. تجنبوا العكوف على القديم والمكرر، لا تكن في وادٍ والناس في وادٍ آخر. لا تجعل عملك وظيفة، بل اتخذه رسالة، وكن على ثغر من ثغور المسلمين يقظاً ومنتبهاً وحصناً منيعاً من سموم الشبهات والشهوات.

ولاة الأمور! المسؤولية عليكم أعظم والانتباه إلى أولادكم في هذه الأوقات أشد، تابع أبناءك ولا تغفل عنهم، تحدث معهم ولا تجعل بينك وبينهم حجابًا، كن على بصيرة مما يقرأون، ومن المواقع التي يدخلون عليها، ومن الأصدقاء الذين يصاحبونهم، لا تشغلك مصالح المعاش وجمع الرزق عن الاهتمام بأولادك في هذا الجانب،

وأخيراً يوجه الكاتب رسالة إلى الأم (أيتها الأم الكريمة ليس اهتمامك بإعداد الطعام والشراب لأولادك وتنظيم البيت هو التربية؛ بل هذه رعاية. أما التربية فهي غرس الأخلاق وتعليم الدين والتنشئة على الفضيلة. إياكم وملهيات الحياة أن تشغلكم عن النشأ، حتى لا تصدموا بسوء نتيجة تقصيركم، وعاقبة إهمالكم، وجزاء انشغالكم).

الكتاب محاولة جادة لمواجهة ظاهرة الإلحاد التي بدأت تنتشر في الدول الإسلامية وهو من الكتب القليلة التي عالجت هذه الظاهرة بأسلوب علمي رصين للوقوف على أسبابها وسبل علاجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق