اخر الاخبارقسم السلايد شوملفات

ثقافة الإعتذار منظومة أخلاق دينية وإجتماعية .. متى نتعامل معها ؟

 تحقيق /علي صحن عبد العزيز 
تسعى أغلب الشعوب نحو تعزيز أدب الإعتذار في مناهجها التربوية وسلوكها الإنساني بغية تعليم مجتمعاتها كيفية التعامل مع هذه المفردة النبيلة ومتى تكون ولماذا تلجأ إليها عندما تتعرض العلاقات الإجتماعية إلى الإختلال وسوء الفهم ، وقد ربطت هذه الفضيلة بفلسفة تهذيب السلوك كما يصفها علماء الإجتماع والنفس ، لأنها إقرار بالذنب نتيجة إرتكاب الخطأ أو الزلل في إنتهاك منظومة القيم الأخلاقية والدينية والإجتماعية سواء عن قصد أو دون ذلك . (وكالة فضاءات نيوز ) تناولت هذا الموضوع مع نخبة من المفكرين والباحثين لتطرح عليهم بعض الأسئلة ، مامدى تأثير ثقافة الإعتذار في بناء الشخصية وتعزيز وشيجة نظام بنية العلاقات الإجتماعية والسياسية، وهل نمتلك ثقافة تجعل الواحد منهم قادرا على الإعتراف بأخطائه ، ثم تقديم الإعتذار في الوقت الملائم وباللغة والطريقة المناسبة؟ .
 ”  جذور البداوة “
د. ناظم الربيعي : بلا شك ثقافة الإعتذار نفتقر إليها في مجتمعنا العراقي ذات الجذور البدوية التي تتميز بالغلظة ، واليوم ما أحوجنا إليها لكي تصبح عرفا جديدا في مجمتعنا .

”  إنتصار الذات  “
د . سعد ياسين يوسف / باحث أكاديمي :
الإعتذار والعدول عن الخطأ سمة حضارية تعكس رقيّ الإنسان ورقيّ المجتمعات التي أشاعت ثقافة الإعتذار منذ الخلية الأولى للمجتمع ، ولذا فهي مجتمعات متصالحة مع نفسها ومع الآخر ومنتجة وفاعلة ومتفوقة ، وللأسف لم نلمس تشكلات هذه الثقافة في مجتمعنا العربي الذي هيمنت عليه تقاليد الصحراء والفكر الذكوري المرتبط بالفروسية، ولذا لابد من الإنتصار على الذات أولاً والإدراك أنْ لا تعارض بين “الفروسية” و”الاعتذار ” ، لأن الإعتذار والتراجع عن الخطأ هو الشجاعة الحقيقية التي تبني الإنسان والمجتمعات .

”  كينونة إنسانية   “
الدكتور عبد الجبار شكري / المغرب / عالم النفس وعالم الاجتماع /شاعر وروائي :
ثقافة الإعتذار يجب إن تكون فردية يمارسها الفرد مع الآخرين ، كما يجب ان تكون اجتماعية تمارسها مؤسسات المجتمع مع بعضها البعض ، فعلى مستوى الفرد نجد أن ثقافة الإعتذار للغير هي منظومة أخلاقية وإنسانية تكون نتيجة وعي الأنا بالغير ، كأنا إنساني له كينونة إنسانية التي هي الوعي والحرية والإرادة ، هذه الكينونة الإنسانية على كل شخص أن يحترمها في نفسه ، وأن يفرض على الآخرين احترامها ، كما أنه على هذا الشخص أن يحترمها في الأخر ، ويجسدها الفيلسوف الألماني (ايمانويل كانط) في إحترام الكرامة الإنسانية ، فعندما يحترم الشخص كرامة الغير فإنه في نفس الوقت يحترم انسانيته في ذلك الغير ، كما أنه على الأنا كفرد أن يلجأ إلى ثقافة الإعتذار كما يرى الفيلسوف الفرنسي ميرلوبونتي عندما تتعرض علاقته مع الغير إلى سوء التفاهم وإلى سوء التاويل للسلوكات والاقوال ، فتصدر عنه أخطاء تمس بكرامة الغير ، لهذا يرى ميرلوبنتي أنه يجب أن تفتح قنوات التواصل والحوار مع الأخر ، وان يشاركه وجدانيا آنذاك سيفهمه ويعذره ومن هنا يجب عليه أن يتعذر له عن اخطائه اتجاهه حتى يقيم التواصل معه باستمرار ،أما على المستوى الإجتماعي ، فإن ثقافة الإعتذار يجب أن تكون سائدة في كل بنيات المجتمع وفي كل مؤسساته اتجاه بعضها البعض ، وفي هذا الاطار ترى جوليا كريستيفا أن الغريب يسكننا على نحو غريب ،ذلك إنه داخل كل مجتمع هناك أقليات أو مجموعات غريبة عن بعضها البعض ، وان كانت تنتمي لنفس الوطن وهذا الغرابة ، أما تكون على مستوى اللغة أو الدين أو الاثنية ، وكما تقول كريستيفا الغريب يسكننا ويقيم بيننا على نحو غريب أما بلغته أو دينه أو اتنيته ، ومن ثم يكون هناك دائما موقف الحذر وسوء الفهم وسوء التأويل فتنشأ الصراعات والخصومات نتيجة الأخطاء المتبادلة ، اذا وصلت الى حد الكراهية تتحول إلى حرب أهلية ، من ثم تصبح ثقافة الإعتذار بين هذه الجماعات ضرورية للحفاظ على السلم الإجتماعي بين كل المواطنين ، لان الإعتذار يمسح الآثار السلبية للاساءة ويسمح باستمرار علاقة التواصل والتعاون والدعم ، ومن ثم يرى علماء النفس وعلماء الإجتماع أن سلامة الفرد وسلامة المجتمع تقوم اساسا على إنتشار ثقافة الإعتذار والتسماح عند الفرد والمجتمع ، من هنا نجد ان كل المجتمعات تدمج هذه الثقافة في برامجها التربوية وفي التربية والتنشئة الاجتماعية لكي تصبح جزءا لا يتجزء من السلوك الفردي والاجتماعي .

”  تعزيز العلاقات   “
د. علاء كريم /ناقد ومخرج مسرحي :
الإعتذار من الصفات المتفردة بالنبل والتسامح، وذلك لما تشكله هذه الصفة من أهمية في بناء التواصل الإجتماعي، فضلاً عن تعزيز العلاقات والتي هي جزء من هذه الثقافة التي تتأثر بالبيئة المحيطة بالأفراد وبعض العادات التي تعتمدها طبيعة المجتمعات القبلية، ومستوى طبيعة النزاعات بين بعض الناس ، قد يكون هناك الكثير ممن يجهلون معنى الإعتذار وتأثيره على العامل النفسي، وهذا يعد إشكالية لهؤلاء الأشخاص في تعاملهم مع الآخرين، وذلك بسبب عدم الفهم بأن الإعتذار له أسس وقواعد تلامس ثقافة المجتمعات وانعكاساتها على بناء الشخصية وقوة حضورها، بالتالي الإعتذار سلوك حضاري لا خلاف عليه.

”   محددات التسامح  “
 د. علي لعيبي :
المسامح كريم هكذا تعلمنا والعفو سمة الكبار وعند المقدرة ، لكن أي فعل يستحق المسامحة ، هنا يجب أن نحدد أولويات المسمموح وغير المسموح فيه ، فمثلا هل اسامحك وأنت تتعامل بخبث ضد أهلك وناسك ، أم اسامحك على خيانة يجب أن لا تقرب منها ، فهناك محددات للتسامح يمكن قبولها تتعلق بالعالم الذاتي والشخصي عداها صعب وصعب جدا ، لأنها تتعلق برضا المجموع ورفضه .

”  أسلوب إيجابي ” 
مزهر الخالدي /كاتب وإعلامي :
ثقافة الأعتذار شعار للشخصية المثقفة ،تعتبر ثقافة الإعتذار عنصر أساسي من عناصر بناء الشخصية السليمة وتعزيز أواصر المحبة،ولها أثر فعال في بنية العلاقات الأجتماعية والسياسية، لأنها عامل مهم من عوامل بناء البنية الثقافية للمُعتذر، وكذلك تعزيز لدى المُعتَذر اليه وبناء روح المحبة والإحترام، كما وتعد هذه الثقافة من الأمور التي اوصى بها الدين الإسلامي وقيم السماء والتقاليد الإجتماعية ضمن العرف الاجتماعي، وعليه أن نؤمن بأن الاعتراف بالخطأ فضيله والكلمة الطيبة صدقة…إذن فلنبدأ نتعامل بهذه الثقافة في حالة الخطأ او التصرف غير الجيد،دون الشعور بالتخاذل أو الضعف والاستعانة ، وعدم تعظيم مسألة الأنا،ولابد من إدراج هذه الثقافة في التعامل الإجتماعي والسياسي والأخلاقي وضرورة مصارحة المعتذر إليه، إن كان شخصا أو مجموعة أو شعب أو دولة-واعتبارها ثقافة حقيقية واسلوب ايجابي لكسب الثقة والمحبة وتعد تعبيراً عن روحية المُعتذر وإيمناً منه بأنها عرف ديني واخلاقي وإجتماعي وحضاري وثقافي،ولابد ان نسعى جميعاً إلى إشاعة روح ثقافة الإعتذار لدى كل الجهات الاجتماعية والتربوية والثقافية والسياسية ، لأننا مجتمع عريق وصاحب حضارات ومركز إشعاع فكري وحضاري ، ونحن من علم البشرية القيم والمبادىء والقوانين ونظم الحياة .

”  صفة أخلاقية  “
كاظم هلال البدري / أديب وإعلامي :
الإعتذار من شيم الفرسان ، ودليل على أن الإنسان الذي قام بالاعتذار واثق من نفسه ومن القيم الأخلاقية التي يتحلى بها ، يقول الإمام علي (ع) ( ألا إنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلا عزا ) ، نعم الأعتذار فعل يرفع من قيمة الإنسان المعتذر ، والاعتذار ثقافة وذوق وأدب ووعي وهذا الفعل الجميل هو قوة لأواصر المحبة والسلام بين الناس ، والأعتذار صفاء وتزكية للنفس وراحة البال والاطمئنان وهو يمثل أعلى درجات القوة في مجابهة الأخطاء اذا كانت مقصودة أو غير مقصودة وبكل ما فيها سلبا أو ايجابا ، علينا أن لا يكون الإعتذار كتبرير لعمل خاطيء بل هو اعتراف شجاع لعمل سلبي قمت به ، فالاعتذار من قمم الشجاعة والفروسية ، الإعتذار دليل حي على نقاء الضمير الذي يحمله الإنسان المعتذر لأن محاسبة النفس هي واجب شرعي وأخلاقي قبل أن يحاسبنا الآخرون ، الأمر المهم الآخر هو طريقة الإعتذار والتي يجب أن تكون ملائمة لازالة آثار الخطأ وبطريقة ودية تزيل كل غل يحمله الطرف الآخر ، والأهم إن يكون الإعتذار نابع من نقاء قلب المعتذر لا كإسقاط لفرض وأن لا ينطبق المثل القائل( العذر أقبح من الفعل ) جاء في الحديث الشريف ( كل إبن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون ) ،والاعتذار يكون ذو قيمة عليا عندما يكون في وقت لا يتوقعه الطرف الآخر والأجمل من هذا عندما تشعر بأنك لم تخطأ فيكون اعتذارك لحسن النية والبيان القيم الأخلاقية التي تتحلى بها لتكون قدوة للآخرين ، ما أجمل أن يعتذر الأب لأولاده والأم لاولادها ليكونوا قدوة مرئية ملموسة لأولادهم لغرس ثقافة الإعتذار في نفوسهم ، ما أجمل أن يعتذر الأستاذ لتلميذه ليرافق هذا الفعل الجميل عقل التلميذ في سنين مستقبله ، على الجميع أن تكون ثقافة الإعتذار جزء من حياة وقيم الجميع ، وتبدأ هذه الثقافة من رئيس الدولة الذي يجب أن يكون السباق في الإعتذار للشعب عن اي تقصير في واجبه تجاه أبناء الشعب ، ولا أفضل من أن ترتفع قيمة الوزير بتقديمه الإعتذار للناس الذين قصر بحقهم ولم يستطع ان يؤدي تلك الأمانة الخاصة بعمله لخدمة الناس ، هل من متعظ من مسؤولينا إن يتحلوا بهذه الصفة الأخلاقية التي تقرب وتقوى العلاقة بين الرئيس والمرؤوس ، عندما يلتزم المسؤول بقيم الدين والأخلاق والأعراف العامة بمبدأ الإعتذار الذي هو الدليل القاطع على أن الجميع يسيرون على الطريق الصحيح الذي هو طريق الرقى والازدهار ، الإعتذار ليس إنتقاص من قيمة الإنسان المعتذر ، بل بالعكس هو رفعة وسمو وإحترام الآخرين له لفعله الجميل وفي الختام اقول الإعتراف بالخطيئة فضيلة للمعترف.

”   خلق راقي   “
غزاي درع الطائي / شاعر : ثقافة الإعتذار :ثقافة مجتمعية وأولوية تربوية وسلوك أخلاقي راقٍ ما أكثر أخطائنا وما أقل حيلتنا ، نحن خطّاؤون ، هذا لا اختلاف عليه ، ولكن هل نحن معتذرون عن أخطائنا أم نحن ممن تأخذهم العزة بالإثم ؟ ، ولأن الإعتذار ثقافة مطلوبة ، ولأن الإعتذار واجب وحق ، واجب على من أخطأ ، وحق لمن تحمل الخطأ ، أصبح للعالم اليوم يوم خاص يّسمّى بـ (اليوم العالمي للإعتذار) ، يقدم فيه الناس اعتذاراتهم لمن أخطؤوا بحقهم ، لأسباب مختلفة ، ويحضر هنا قول كريم للإمام علي (كرم الله وجهه) ، جاء فيه : ((إقبل عذر أخيك ، وإن لم يكن له عذر ، التمس له عذرا)) ، وثقافة الإعتذار لا تقتصر على مستوى الأفراد ، بل تمتد لتصل إلى مستوى الحكام الذين أساؤوا لبلدانهم ، والحكومات التي غمطت حقوق شعوبها ، بل وتمتد أكثر لتصل إلى مستوى الدول والأمم ، إن ثقافة الإعتذار مقدر لها أن تكون ثقافة مجتمعية وأولوية تربوية وسلوكا أخلاقيا راقيا ، وعندما نتحدث عن ثقافة الإعتذار ، لا بد أن نأتي على ذكر ثقافة قبول الإعتذار ، فمثلما هناك من يتجبر ولا يقدم الاعتذار ، هناك من يتجبر ولا يقبل الإعتذار ، إن ثقافة الإعتذار تقول : لا للقطيعة ونعم لمد الجسور ، ونعم للإعتراف بالذنب ، ولا لإنكاره ، وكم من العلاقات انهارت بسبب الخلافات ، ثم عادت بوتيرة أعلى وأعمق بعد تقيم الاعتذارات ، إن الاعتذار عمل من أجل نشر التسامح وحفظ الود ، يصدر عن خلق نبيل ونفس صافية ، وينتشر ضوئه بين الناس كإنتشار ضوء المسك .

”  فن الإعتذار   ” 
حيدر كامل الأسدي نحن أمة لا نجيد فن الاعتذار، فعندما نعتذر نعتذر اعتذارًا مزيفًا، مثل:
أنا آسف، ولكن أنا آسف لأنك لم تفهمني ، حيث يعد الإعتذار طريقة للتعبير عن التصالح، والتسامح، والإقرار بالذنب، وهو سلوك جاءت الأديان لتدعيمه، ففي نهاية المطاف، نحن لسنا ملائكة، وكلٌّ منا يمتلك ما يكفي لأن يُخطئ ولو لمرة واحدة دون قصد إلا أن الإعتذار كسلوك ليس محمودا على إطلاقه، فبعض الثقافات المُجتمعية تحاول أن تفرض بعض القوانين التي تبدو غير إنسانية على الإطلاق في معظم الأحيان فهناك مناطق تعدُّ الاعتذار النابع من الرجل دليلا على ضعفه، لتجد الرجل خائفا من قول “أنا آسف” مهما بلغت شدّة الخلاف، وهناك من النساء من يعتبرن الاعتذار خصوصا من الرجل ذريعة لفتح باب التنازلات على مصراعيه، وأنها بامتناعها عن الإعتذار ستحمي ما هو حق لها الكثير من الكتب تُعلّمنا أن نعتذر، أن نتصالح ونتسامح، ولكننا، ورغم أهمية ثقافة التسامح والاعتذار، قد نفرط في قول “آسف” حتى وإن كنا نقصُرها على المساحة اللغوية، أي باعتبارها كلمة تُقال وفقط؛ لأن دراسة في علم الاجتماع تقول إن اعتذارك المتكرر دون سبب يدل على ضعف شخصيتك ، نعم قد يكون الإعتذار لصديق أحيانًا أصعب من أن تُدرك أنّك أخطأت في حقه وآذيته ومع ذلك عليك المبادرة في تقديم الإعتذار الصادق الغير مبطن بزيف الكلمات فيجب أن تكون صادقًا، وتعترف بأخطائك، بالإضافة إلى جعله يُدرك أنّ صداقته تعني لك الكثير، وقد يُعدّ ذلك صعبًا أحيانًا، ولكن عليك أن تتجاهل كبريائك، وتُظهر الندم الصادق ، فالاعتذار ثقافة العقول الراقية .

”  مظاهر التواضع  “
فاطمة منصور / شاعرة / لبنان :
الإنسان مفطور على الاعتداد بالنفس ، والنرجسية حد احتقار الأخر ، وكثيرا ما يكون الغرور مدعاة لإدعاء الكمال والاختلاف، ما يحول دون الإنسان والاعتراف بالخطأ ، فربما يحس الإنسان بأنه إرتكب خطأ تجاه صديق أو قريب ، لكنه يرفض الاعتراف اعتقادا بان ذلك مظهر من مظاهر التواضع المذل. فطبيعي ان يرفض الإعتراف ومن ثم الاعتذار. مما يتسبب بعداوات تخل بالعلاقات الاجتماعية وقد تفضي الى مشاكل يترتب عليها تجاوز سلم القيم وابسط ما تفترضه علاقة الانسان بأخيه ، فيما الاعتراف بالخطأ والاعتذار هما المداميك الاولى والاساسية لبناء المجتمع الأخلاقي المتالف والمتفاهم والواعد بقيام المجتمع المرتجى ، هيهات ان تصل المجتمعات البشرية إلى ثقافة الإعتراف بالآخر وساعتئذ تستقيم القيم وتسود ثقافة الإعتذار بطبيعية وبلا تكلف .
”   البعد الإنساني  “
علي الحسون / شاعر : ثقافة الإعتذار يجب إن تتجسد بأجمل صورة في بلدنا كي نبني مجتمعا صالحا واعيا، وخاصة نحن نحمل أرث حضاري وإنساني وديني يحفز على ذلك وكثير من الأحاديث توصي بذلك ، وهذا لا يعني أن كلمة إعتذار ننطقها وكفى ، بل تتجسد بفعل وتصحيح الخطأ وعدم تكراره ، وما يدعم ذلك يجب أن يكون هنالك التسامح وعدم الحقد والضغينة ، لأن البعد الإنساني في العلاقات العامة يأخذ مدى أوسع في بلورة حالة إجتماعية ينعم بها الكل بعيدا عن حسابات القوي والضعيف أو الربح والخسارة .

”    معنى التواصل   ” 
احمد بياض /شاعر / المغرب : في ثقافة الإعتذار هناك غريزة النرجسية في غفلة عن ذلك ،لان يجب أن يكون انسجام فعلي مع نواة الضمير فالتجربة المعرفة قد تكون مهدا لهذا السلوك ، ولكن في صميم الواقع قلما ندري قيمة هذا السلوك، وهو تصحيح لاصطدام معنوي ، والاعتراف بالخطأ يعزز معنى التواصل في المجتمعات بتحكم في هذا السلوك ، وعينا كنبض ذاتي يفهم ماله وما عليه ، وأيضا رمزية السلوك البشري في التواصل على نواة الإخاء لا يتم ذلك إلا بملامسة جسد الصفاء دون ، لبس أو التباس والادراك الفعلي لقيمة والإنسان كحاضرة .

 ”   العزة بالأثم   “
مديحة البياتي / صحفية :
قرأت ذات مرة في بعض أدعية الإمام علي (ع) وهو يدعو الله : “اذا أخطأت فامنحني شجاعة الإعتذار” ، فعلاوة على كون الإعتذار ضرورة دينية واجتماعية فهو يعد (شجاعة) كذلك وكما وصفه سيد البلغاء لا يمتلكها الكثير من الناس لما فيها من ثقة وقوة في الشخصية وانكار للذات والكبر في النفس ، ومع شديد الأسف بعض الناس يعتبرونها ضعف أو تنازل للمقابل فتاخذهم العزة بالإثم ، فما أجمل إن تعم ثقافة الإعتذار بين الناس وعندها سيكون التسامح ثقافة متحضرة تعم المجتمع.

جيل التسامح ثامر الخفاجي / شاعر وأديب :
من لم يقبل العذر من متنصّلٍ، صادقاً كان أو كاذباً، لم ينل شفاعتي” ان ثقافة الإعتذار بشقيها الديني والإنساني تجسدها هذه المقولة لسيد الخلق محمد عليه افضل الصلاة والسلام إذ تلقي بظلالها الإنسانية والاجتماعية الحميدة على طرفي المعادلة المعتذِر والعاذِر لإلغاء ثقافة الحقد والكراهية والتأسيس لثقافة الشجاعة لدى المعتذِر وروح النبل والعفو لدى العاذِر ،هذه الثقافة ثقافة الإعتذار يكون للبيت الدور الأساسي في زرعها في نفوس أبنائه ، ومن ثم يتم صقلها من خلال المناهج الدراسية،جنبا الى جنب مع غرس الروح الوطنية التي تكسب هذه الثقافة الديمومة لبناء جيل متسامح بعيد عن الاحقاد ، تساهم في ذلك الماكنة الإعلامية والمنظمات الإنسانية بعيدا عن التوجهات الطائفية والعرقية.

 

”  تناقضات النفس   “
عباس سلمان عبد / صحفي : 
مكانة الإنسان في المجتمع تشتد بمقدار احترامه للآخرين واعترافه امامهم بإنه أيضا إنسان وقد يخطأ ، وتحتاج هذه المكانة إلى الجرأة في إبداء كرم الإعتذار فيما لو وجد نفسه فعلا مخطأ مع الآخرين ، ولكن هذه الثقافة تحتاج إلى تربية مبنية على أطر صحيحة يتطلع عليها الفرد عبر دروس ممنهجة من خلال الأسرة والمدرسة والمنظمات والجمعيات التنموية وحتى في المؤسسات الحكومية عند مراجعتها لتغذية الفرد روحيا ونفسيا وتربويا واجتماعيا ومنها تنعكس بالإيجاب على سلوكه بالتعامل مع الاخرين، قطعا الأعتذار له قيمة أخلاقية عالية في بناء الشخصية وزيادة الترابط ولكن ليس كل الاشخاص قادرين على ممارسته وخصوصا عندما يزداد التمادي بالخطأ ليصل إلى الحد الذي لا يمكن تصحيحه، فلم نرى إعتذار من كبير لصغير أو العكس ولا من قوي لضعيف إلا ماندر ، وحتى نتمكن من نشر ثقافة الإعتذار علينا أن نعترف اولا بالذنب وعدم تكراره، وترك وسواس الشيطان حول الكبر والتكبر بأن فلان لا يستحق الأعتذار ويصور لنا أنفسنا ملائكة ونحن الضحية وقلوبنا طيبة ويجب ان لا نذهب صاغرين معتذرين لغيرنا فنحن دوما على صواب والمقابل دائما على خطأ، وهنا القول الفصل وهو الرجوع إلى أحكام الله تعالى لنجد صفة الأعتذار أعظم من ذلك الوسواس، كلنا مع سياسة الإعتذار بشرطها وشروطها ويا محلاها من سياسة ناجحة دنيا وآخرة .

”   إصلاح الأشياء  ” 

الفنان والباحث التشكيلي/ عبد القادر الخليل /أسبانيا:

إن إرتكاب الاخطاء عيب شائع، وطلب المغفرة من سمة التواضع ، الحسد يفتح الجروح وهناك تتلوث الروح ، أنت لست على حق في كل مجال, دع نفسك تنخدع ، يجب على المرء ان يخجل إذا كانت كلماته أفضل من افعاله ، راقب عيونك كي تعرف قيمة المعذرة ، التواضع يقبل المغفرة بدون سؤال ،الغفران هو قيمة الشجعان فقط من هو قوي على نفسه يعرف كيف الإعتذار ، الإعتذار هو صمغ الحياة يمكنه اصلاح اي شيء كان ، تذكر أن التسامح لايعني النسيان أو إنكار ماحدث, بل هو إفادة الحياة الشخصية ويزيد من إحترام الذات.

”  متى نتعلم نحن ؟   “

معصوم أحمد/ الهند /باحث الدكتوراه بجامعة كاليكوت-الهند :

كلنا على عجلات العمر في سفر، من العالم الشاهد إلى عالم لم نشاهد بعد ، لا ندري متى تكون الإشارة للتوقيف، ومتى تطلق آخر صفارة في حياتنا وأين؟ فعلى كل من يعيش مع الآخر أن يتمم التعامل إليه بالوفاء ويصحح الخلل بالجلل من الإعتذار ، وهذا الزمان للعلم لا يرى فيه أي نقصان ،دراسات مختلفة وتخصصات متزايدة، يحمل كل واحد منا على أكتافه أثقالا من الشهادات والكفاءات نسمع دائما انه حصل هذا على مؤهلات علمية في الطب وهذه في الهندسة ، وذلك في التكنولوجيا وتلك في اللغة والآخر في تخصصات أخرى الخ. لا فجوة ولا فراغ للترفع أو التنهد من التنفس لأجل كثرة المؤهلين ، درسوا ودرسنا كل الدروس منذ نعومة الأظفار ، ولكن لم ندرس بعد حرفا واحدا من كتاب الثقافة للإعتذار ، كأننا في هذا الموضوع صفر وعلاماتنا كذلك صفر ، نعرف أن نخطئ ونعلم أننا خطائون ولكنا لم نسحب صفحة الإعتذار وما قرأناها قط، ما الذي يجعلنا جاهلين عن هذه الصفة الجميلة، وما هو السبب المهم الذي لا نتجرأ أن نطرق على بابه؟ الذات! ‘الأنا’ أو الأنانية ، الناس في تهمة، فهي تجعلهم غافلين عن ارتداء الصفات النبيلة في حياتهم. كل واحد منا يحسب أن شرفه ونسبه ومنصبه سوف ينقص إذا قال إلى أخيه ‘أنا آسف يا أخي’ أو سيهبط الوقار منه إذا قال ‘سامحني،!’ . تفكر معي عن الصحفيين والعاملين في الإعلام، كم يرتكبون من إفشاء الأخطاء أو الأخبار المزيفة في كل يوم؟ إنهم في مبارات لنشر الأخبار الساخنة، والأدباء والشعراء والكتاب يهيمون في كل واد راجين فتح باب جديد بديع لم يسلكه إليه أحد من قبل ، لا يبالي أحد منهم عما حدث بقلمهم من جرح الجرم ،هنا في بلدنا الهند نذكر قصة، قصة عن عالم وطالب ، يوما تفقد العالم طبقه الذهبي الذي يوضع في غرفة العبادة ، يعرف أنه أخذه أحد من تلاميذه. وطلبهم أن يُحصحص السارق سرا لا علانية ، أراد أن لا يؤلم طالبه ، ولكن الطالب الذي أخذ الطبق الذهبي أتى إلى عالمه والطلاب يصطفون وراءه وأعلن جرمه واعتذر عن فعله ، إذّاك سأله العالم : لماذا أعلنت جرمك واعتذرت جهرا يا بني ؟ قال : خشيت أن يشك كل واحد منا في الآخر فيؤثر ذلك على وحدتنا فتفشل ونفشل وعلى مر الأيام أصبح الطالب عالما .

”   كيفية التعامل  ”  

منى فتحي حامد / مصر: 

ثقافة الإعتذار منظومة أخلاق دينية وإجتماعية ، يجب أن يهتم بها الجميع و يحرص عليها الأفراد في مجتمعاتنا المختلفة ، حتى ينشأ مجتمع سوي ، معتدلاً في شتى السلوكيات ، خاليا من الأنانية والتفاخر والأحقاد مع معاملة الناس بالنفور أو كأنهم غرباء ، فيجب أن تتوالد بكثرة سمة الاعتذار التي تعم المجتمعات و سائر الأوطان بالترابط و وحدة المودة مع الفِكر والثقافة و التراحم و العطاء ، فنتساءل كيف نتعامل معها ؟ هل بالانجذاب والفعل الحقيقي ، أم بالتمادي مع الرفض وتجاهل الإعتراف بأن التراجع عن الأخطاء فضيلة ، نلاحظ أن أغلب الشعوب و البلدان تسعى نحو تعزيز أدب الإعتذار في مناهجها التربوية بهدف تعليم مجتمعاتها السلوك و العادات السامية الصحيحة ، فكل منا يخطيء ، لكن التسامح والمغفرة والأعتذار والبداية الجديدة ، تعم البشرية بالارتقاء وبالتعلم ، وبالسلام والأمان إلى نهاية الدنيا ،وهذا يكون طرحا مفيدا لأبنائنا من خلال تواجد هذه القيم المرتبطة بثقافة الاعتذار بمناهجهم الدراسية المتنوعة ، التي تعمل على إثراء الحدس النقي ونمو الآداب الأخلاقية التربوية السليمة ، لكننا أحيانا تأخذنا الدهشة و التعجب من بعض الأمور المتعلقة بثقافة الاعتذار ، فالبعض يلجأ إليها عندما تتعرض العلاقات الإجتماعية إلى الإختلال وسوء الفهم ، وهذا يكون خطأ كبيراً ، فيجب عليهم أن يتعاملوا معها عند أوقات الترابط والتماسك كٓمثل أوقات التفكك و عدم النجاح ، حتى تثمر هذه الثقافة الراقية الأكثر و المزيد من تلك النجاحات في شتى المجالات بمختلف الميادين القائمة على المحبة المتعددة ، و ترسيخ روح الاعتزاز و الأصالة بمشاعر الإنسانية و الوطنية المتحابة المتآخية ، وقد ربطت هذه الفضيلة الأسرة والمجتمع بفلسفة تهذيب السلوك ، كما يصفها علماء الإجتماع و النفس ، لأنها إقرار بالذنب نتيجة إرتكاب الخطأ أو الزلل في إنتهاك منظومة القيم الأخلاقية والدينية والإجتماعية .

”  ديمومة التواصل “
علي عويد التميمي / إعلامي : 
لا يعني دائما إن المعتذر مخطأ والطرف الآخر مصيب، لكنه يعني احيانا ان المعتذر يقدر العلاقة اكثر من تقديره لغروره،لذا لايتمتع بهذه الصفة الا ممن هم انقياء القلوب ، من وجهة نظري أرى ‏‎الاعتذار ثقافة عند النفوس الراقية أحيانا، نعتذر ونجهل سبب الخطأ حفاظاً فقط على ديمومة التواصل ، وتقليل التوتروالفراغات التي استمرارها يولد الكراهية والجفاء ، علنا نكون على وعي مطلق أن هذه الدنيا فانية لا محال ، وهنئياً لمن ترك بصمةً تسرد للاجيال بالنبل والتسامح ونقاوة القلب والسيرة والسريرة.

 

”  منظومات فكرية   “
صادق الذهب / مدير قسم التعليم العام والملاك تربية الكرخ :
الإعتذار كثقافة ربما لم يجرب الكثيرون منا لذته باعتباره سلوكا إيجابيا ذا تأثير طيب وفعال في بناء منظومة اجتماعية قيمية تساهم في خلق مجتمع مبني على أساس الود والأحترام المتبادل ، ولعل ذلك كان من أهم الأسباب التي جعلت للأعتذار في مجتمعنا أن يتخذ صيغا عديدة تجاوزت الإعتذار من الشخص إلى الشخص منها ، أن يكون الإعتذار من الشخص وقبيلته إلى شخص وقبيلته تماما مثلما يعتذر بلد من بلد اوشعب من شعب لما ، لذلك من أثر في الإستقرار النفسي لمنظومات فكرية مجبولة على أساس تقديم ماهو إيجابي وتفضيله عما هو سلبي أو دون ذلك ، ليس هذا فحسب انما صار مفهوم قبول الإعتذار يشكل مقياسا عاليا للشجاعة بالموروث الذي تتربى عليه الأجيال في مجتمع معين مثلما يعتبر معيارا للثقافة أو غيرها في مجتمع اخر ، ولهذا تصبح الآن الحاجة ملحة إلى تضمين المناهج التربوية مفاهيم تقديم الإعتذار ، وقبول الاعتذار وأثارها على الفرد والمجتمع ، بعد أن تخلت عن ذلك الكثير من المنظومات سواء كانت دينية او عشائرية او مناطقية ، والتي كانت تهتم بهذا الجانب وتساهم في توجيه وترسيخ تلك القيم الإيجابية قولا وفعلا بما يضمن استمرارها بتطور الحياة اليومية وميلها للتعاطي مع الحياة السريعة التي تحتاج إلى التحرر من بعض الأفكار التي باتت ثقيلة و التي من شأنها ان تعطل وتبطئ من نمو المجتمعات وتطورها.
”   فعل إيجابي   “
إسراء الأسدي / شاعرة : الإعتذار ثقافة راقية فإذا كنت مثقفا في أعتذارك أصبحت خلوقا وإنسانيا في ثقافتك ، و المجتمعات المتحضرة التي لها حظ من المدنية والأخلاق تجيد ثقافة التسامح والاعتذار والتعايش السلمي المبني على محبة الآخر ، واحترام حقوق الإنسان وقدراته الإبداعية والثقافية ، وتعميم ثقافة الإعتذار فعل إيجابي للأفراد والمجتمعات يساهم في التقدم والازدهار ، ويصنع فرص عظيمة لنهضتها وتطوير قدراتها العلمية والأخلاقية على حد سواء.

”   فضيلة الإعتذار   “

عدنان كاظم السماوي /باحث وكاتب :

ثقافة الإعتذار من الثقافات التي تسمو فوق الثقافات الموضوعية والتنظيرية ، وهي معيار الشخصية وذاتويتها وقوتها ورصانتها وصلتها بالله تعالى وما أودع في الإنسان من الخير والفضيلةوالمعروف ، والإعتذار ليس ضعفا كما يرى البعض ويعتقده بل قوة وارادة شخصانية يمتلكها الإنسان في حياته وهي جزءا اساسيا من مقوماته ، لذا تسعى الكثير من البلدان ودهاتها وعلماؤها لترسيخ تلك الثقافة في نفوس ابنائها للحفاظ على تماسك المجتمع وبناء اركانه ، فهي جزء من مناهج دراسية في المدارس والمؤسسات الدينية من جوامع وكنائس ودور عبادة تنقل للدارس تلك الثقافة ليسمو ويسلك طريق الحب والسلام ونبذ الكراهية والحقد والشر بعد إعتذار المعتذر بالخطأ وكما يقال ، الإعتراف بالخطأ فضيلة ، وقبول الإعتذار فضيلة أخرى تتناسب طرديا مع الإعتراف المذكور ، وهما فضيلتان تعززان الحفاظ على الأسرة والمجتمع ، إذن ثقافة الإعتذار ممارسة تحتاجها المجتمعات لبناء المنظومة الخلقية والقيمية وإرساء دعائم السلام والحفاظ على الأفراد ، ومن نشر ثقافة الكراهية والكبر الذي يتصف به البعض معتبرا أن الإعتذار هو ضعف وخذلان ، كما نرى أن انواعا من الإعتذار التي يقدمها المعتذرون وحسب سايكولوجياتهم وطبيعة تربيتهم ونشأتهم الأسرية المجتمعية هي من توقفنا على مدى قوة تلك الشخصيات وبناءاتها الأسرية والمجتمعية . 

”  الإسراع بالمبادرة  ” 
اميرة ناجي /مدرسة وتشكيلية :
يعتبر الاعتذار من ثقافة الإسلام وهذا الدين العظيم ، والتي تنهي ما تحمله الصدور من الحقد والعداوات ومايقع من المشاحنات والخصومات جراء مايتركه من أخطاء بقصد أو بغير قصد ، وفي بعض المجتمعات يعتبر الاعتذار جزء من مقوماتها وثقافتها الفكريه ، فتراهم يزرعون في اطفالهم هذه الثقافة منذ الصغر ، والاعتذار ليس كلمه تقال في زحمة الحديث لتبرير الخطاء ، إنما يعني الاقتناع التام بأن هناك خطأ ينبغي تصحيحه وهو ما أوجب تقديم الإعتذار ، كما أنه يجب أن يقترن بنوع الخطأ وحجمه ، ويجب علينا دائما الإسراع بالمبادرة والاعتذار دون محاولة تبريره ، وأخيرا يجب أن يصدق الإعتذار وتتصافى القلوب لنحيا بسلام .

”  سلوك حضاري  ” 

لطيف عبد سالم / باحث أديب وكاتب :

بخلاف ما يسود نفوس البعض من تصورٍ عن كون الاعتذار خصلة تحمل في طياتها علامات الخضوع للضعف، أو التردّد، أو التعبير عن ملامحِ الانكسار، أو الفشل، وربما الهزيمة، فإنَّ تحليلها، وتفسير أبعادها الزمانيَّة والمكانيَّة، يقودنا إلى بلورةِ مفهوم هذه الظاهرة وتوصيفاتها التي تعكس نبل الفرد وتمسّكه بالجوانب الإيجابية لمنظومةِ مُجتمعه القيمية، والتي تُعَدّ دليلًا على الحبّ والجمال الإنساني، بوصفها فضيلة تعبّر عن موقفٍ أخلاقي يتمثل بنمطٍ حسي مرتبط بثقافةِ المُسامحة. ويمكن القول إنَّ الاعتذارَ الذي يتطلب امتلاك الإنسان صفة الشجاعة، يُعَدُّ سلوكًا حضاريًا يرتبط بتقدمِ الشعوب ورقيها؛ الأمر الذي يلزم الجميع التنبه إلى ضرورة تنشئة الطفل على سجيتي الاعتذار والمُسامحة، بوصفهما شفاءً للهم الإنساني.

”  قيمة التسامح ” 

ميَّادة مهنَّا سليمان/ شاعرة / سوريا : 

 الإعتذار هو من الأخلاق النبيلة التي يصدرها شخص ما لبُبرر خطأً اقترفه بحقّ شخص أو مجموعة من الأشخاص، وربما بحقّ شعب بأكمله، فارتكاب الأخطاء هو سمة من سمات البشر، فالكمال لله وحده سبحانه وتعالى، وللأسف لا يجيد العديد من الأشخاص تقديم الإعتذار، وذلك لجهلهم بأهميّة هذا التّصرّف وما قد يعقبه من راحة للنّفس، فقد يؤدّي عدم الاعتذار لعواقب غير محمودة من شأنها زيادة الأحقاد والضّغينة بين النّاس، وللأسف الكثيرون بدل أن يقدّموا الاعتذار، يسوّغون لأنفسهم ما ارتكبوه من خطأ بطريقة أو بأخرى، ويرون أنّ الاعتذار هزيمة، أو ضعف، أو انتقاص من مقامهم وشخصيّتهم، وللأسف ما من ثقافة إعتذار تتبنّاها المجتمعات في العديد من دول العالم، والتّسليم بأنّهم يخطئون تارةً ويصيبون تارةً أخرى ، في حين نجد أنّ الاعتذار هو أحد سمات الثّقافة في المجتمعات الغربيّة ومجتمعات الشّرق الأقصى، فهم يملكون الشّجاعة لمراجعة الذّات والاعتراف بالخطأ، وقد يكون ذلك أحد أسباب تقدّمهم وازدهار بلادهم، وكما ذكرنا فلا يقتصر الإعتذار على الأشخاص، فقد تعتذر دولة لدول أخرى قد أخطأت بحقّها واحتلتها سابقًا، كما فعلت اليابان مع دول جنوب شرق آسيا ، أنّ الإنسان السّويّ هو الّذي يقبل أعذار الآخرين ويتعامل معهم بتسامح ويتسلّح بخلق العفو عند المقدرة، وقبول اعتذار المعتذر ليس قبولًا بالأمر الواقع أو ابتلاع الإهانة، بل هو سلوك المتسامحين المنصفين الّذين يعرفون قيمة الصّفح والتّسامح أما الّذين يرفضون الإعتذار ولا يقبلون أعذار الآخرين ولا يقدّرون الظّروف الصّعبة التي دفعتهم إلى التّجاوز والإساءة فهم عاجزون عن التّسامح بسبب أحقادِهم ، وقد ورد الاعتذار في القرآن الكريم في عدّة آيات ﴿قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)﴾ ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)﴾ ويدعو عالم السُّنَّة النّبويّة د. أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر المسلمين جميعًا إلى التّخلّق بخلق القرآن الذي دعا رسول الإنسانيّة إلى العفو والرّحمة بمن خرجوا على طاعته: فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر»، كما ينصح كلّ مسلم بأن يقتديَ برسوله الكريم في التّخلّق بخلق العفو، ويقول: العفو عند المقدرة من الفضائل الكريمة الّتي تدلّ على نبل صاحبها وسماحته، وعلى أصالة معدنه وطيب سجاياه.

”    سمة رفيعة   “
علي جابر البنفسج / شاعر وإعلامي :
بقدر تعلق الأمر بالفرد والعائلة ، كذلك هو مسؤلية مجتمع بأكمله لتنشيط وترسيخ ثقافة الإعتراف بالخطأ ومن ثم الاعتذار ، وتعد لغة الإعتذار هي من أنبل وأشرف اللغات والخصال التي نصت عليها كل الأديان والرسالات السماوية من خلال نشر فكر التسامح الذي خصه الله( جله جلاله ) لجميع الأنبياء والمرسلين الذين أنزلهم رحمة لأرساء قانون التعايش السلمي البشري والمجتمعي ، فمثلا حكاية الرسول الأكرم محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وموقفه مع جاره اليهودي الذي كان يتعمد ايذائه ويسامحه رسول الله دائما ، وكذلك مثل سيدنا المسيح عليه السلام ، حين جروه للتعذيب وبابشع الطرق التي تعمدوها لايذائه ، بينما كان يدعو الله أن يسامحهم ، والكثير من المواقف التي لايسعنا ذكرها الآن ، ومن خلال هذان المثلان أراد الله أن يعطي درسا وبرهانا للبشرية بأن لغة التسامح والاعتذار هي سمة رفيعة ترفع من قدرك بين المجتمع ، وهذا هو أصل وكينونة الانسان الذي خلقه الله ليعمر هذه الأرض وجعله متسيدا عليها وقوم له أخلاقه وخلقه ، وقبل أن أختم كلمتي أقول ، إن التسامح والاعتذار وتقبل أخطاء الآخرين هي محصلة تربية أسرية ومجتمعية وبيئية ناضجة يجب أن تعم المجتمع وبالتالي نتحلى بها جميعا .

”  ثقافة عالية  “

نضال العزاوي / إعلامية :

كلمة الأعتذار تميز صاحبها عن غيره في طريقة أسلوبه في مبادرته ،حيث إنها توضح للمقابل مدى حلم صاحبها وكرم أخلاقه ،وهي سمة من سمات الكبار الذين يتحلون بالتواضع وألشجاعة ، وهذا يجعل من ألمرء أن يكون مميزاً عن غيره من الذين يحملون في قلوبهم الضغينة والتكبر ، كما وإن أغلب ألشعوب الواعية والتي تحمل ثقافة عالية تتحلى بهذه الصفة من التسامح ، الأعتذار ليس بالمفهوم الذي يعتقده البعض أنه تصغير لقيمة الأنسان أذا بادر هو به طالما هو المخطأ .

”   شجاعة الإعتذار  ” 
اثير السومري / إعلامي :
الأعتذار فن من فنون الرقي والتقدم الثقافي تبدأ من الأسرة قبل كل شيء ، فكلما كان الوالدين سموحان مع أبنائهم يتحقق التطبيق الحقيقي ، لأن مقياس الإنسان الواعي يكمن في مدى اعتناقه فن الاعتذار وتعامل به مع الآخرين ، حيث يكون الأعتذار غيثاً من الرحمة يطفئ الغضب فالقصص القرآنية التي حدثتنا عن الأقوام السابقة ، وما حصل معها بعدما أخطأت فعتذرت فاغشاها الله عز وجل برحمته على عكس إبليس الذي رفض السجود ولم يتعذر على عدم تنفيذ الأمر الإلهي فنزل غضب الله عليه ، لأن الأعتذار شجاعة كان لايمتلكها إبليس وقد لايمتلكها الجميع ، والمجتمعات المتقدمة تشترط على أفرادها تلك الثقافة الأنيقة من خلال وضع أسس تربوية واجتماعية في مناهجها الدراسية لتلاميذها في سبيل بناء جيل واعي وبالفعل استطاعوا الوصول لقمم الرقي والتميز ،ووصل بهم الأمر أن يشرعون القوانين التي تخفف العوقبة بحق المجرم الذي يعتذر عن ، والسبب في ذلك لكي ينشأ قوام مجتمعي قوي ذو علاقات وطيده بين أفراده ، فإذا أفتقر المجتمع لتلك الثقافة كثرت مشاكله وضعف قوامه وبانت هشاشته .

 

”  العناد السلبي  “
بسمة العبيدي / إعلامية وكاتبة :
الإعتذار شكل من أشكال التواضع عند البشر الذي نستطيع من خلاله إن نتجنب كثير من الاشكالات وسوء الفهم التي تحدث مع بعضنا البعض ، بل هو من أروع أشكال التسامح الذي نادت به كل الأديان والأعراف السماوية ، لكن فهمنا الخاطئ للإعتذار والذي يعتبره الغالبية على إنه إهانة واذلال للنفس أمام الطرف الآخر ، ويتعمد التزمت والعناد السلبي في رأيه ، في مجتمعنا نفتقر إلى التربية الصحيحة في البيت ومن الاهل تحديداً بعدم إعتذار الزوج من الزوجة أو العكس ، أو الأخ من اخته أو الجار من جاره ، إذا كنا هكذا في بيوتنا فكيف إن ندرج في مناهجنا التربوية أدب الإعتذار ، واغلبنا يعتبره ذلة ومساس بكرامته ، والكثير بعيد عن هذه الثقافة ولن يتقبلها من اي طرف ،أما بخصوص مامدى تأثير ثقافة الإعتذار في بناء شخصية الفرد ، فهي تقويم السلوكيات التي تجعله قادرًا على الإحساس بذاته وأهميتها بشكل أكبر ،تحمل مسؤولية الأقوال والأفعال الصادرة منه ، بناء ثقافة الإعتذار، وتحمُّل المسؤولية المترتبة عن إرتكاب الأخطاء .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق