اخر الاخبارقسم السلايد شوملفات

تصليح الساعات ..مهنة ترميم الوقت في طريقها إلى النسيان

 

تحقيق/ علي صحن عبد العزيز
تصوير /مصطفى علي

وسط شارع الرشيد مركز العاصمة بغداد ، يمتهن (يوسف أبو علاء الساعاتي) أقدم محل لتصليح الساعات والتي تمتد لأربعين سنة خلت ، محل عتيق بزواياه وأركانه التي تشدّك إلى تفاصيل يوميات (أسطوات) كانوا هنا ورحلو ، وتركوا تلك المهنة التي أستورثها عنهم (أبو علاء ) أبا عن جد، لتعلن في كل ثانية وأخرى عن ذكريات تعبق من عطر ذلك المحل التراثي ، وللوهلة الأولى حينما دخلنا على المحل لم أجد موطئ قدم بسبب امتلاء أنواع عديدة من الساعات وهي تعلن عبر عقاربها بأن تلك الثواني لن تعود إلينا مرة أخرى مهما حاولنا ترميم الوقت .(وكالة فضاءات نيوز ) كانت لها جولة في محلات تصليح الساعات في شارع الرشيد ومرورا بساحة التحرير ( سوق هرچ) وأنتهاءً بسوق ( عريبة) شرق العاصمة بغداد .

أول المشوار

محل (يوسف الساعاتي) الذي لا يتجاوز ثلاثة أمتار طولا وعرضا المترين ، يغص بالساعات (الانتيكة) منها الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، ذات التطريز الذهبي والفضية اللماعة والمحاطة بخشب الصاج الهندي البني ذو اللون الغامق المعروف، وجل ما يثير أنتباهك بندول الساعات التي لاتهدأ بحركتها يمينا وشمالا .
* ما الذي يدعوك للتمسك في هذه المهنة ؟
– سؤالك يرجعني إلى ستينيات القرن الماضي ، فلقد كان جدي يزاول هذه المهنة وفي هذا المكان منذ كان عمره بالعشرينيات ، ثم أنتقل إلى رحمة الله الواسعة ليستورثها من بعده والدي وليقضي فيها شوطا طويلا من الزمن ، ليعلن رقاص هذه الساعات نهاية دقائق أيام حياته إلى جوار ربه ، وهكذا وجدت نفسي بين (إسطوات) ومكان يذكرني بهم في كل لحظة وثانية .
* إلا تعتقد بأن الساعة كانت جزء من قيافة وشياكة الرجل ؟
– بالتأكيد ما تقوله ، هنالك إهتمام واسع كان بهذا الجانب ، بل ويعتبرون الساعة جزءا لا يتجزّأ من أناقتهم ومظهرهم العام ، ويضيف ( الساعاتي) قائلا : إلى عهد سنوات الثمانينيات من القرن الماضي كانت محلات شارع الرشيد تعجّ بالزبائن السياسيين والتجار والفنانين والأدباء والمشاهير وعامة الناس ، لشراء الساعات ذات الماركات السويسرية المعروفة والثمينة ، وللأمانة المهنية كان محلنا من أوائل هذه المحلات في إدامة وتصليح وبيع وشراء هذه الساعات .
* هل لك أن تذكر لنا بعض أنواع هذه الساعات ؟
– سؤالك يسافر بي ذكريات والدي وجدي ( الله يرحمهم ) وكما تشاهد فهنالك الكثير من الماركات السويسرية للساعات مثل ( فيلكا، اولما ، ولسن ، جوفيال، ستنزن ، رولكس، اوميكيا ، رونجين، وغيرها التي كانت تسترعي أنتباه المتذوقين والمارّة والزبائن من كافة محافظات العراق والوطن العربي ، وذلك لقيمتها في تلك الفترة الذهبية .
* برأيك ، لماذا هذا الإهتمام الكبير بتلك الساعات على الرغم من مرور سنوات طويلة على إنتاجها وصناعتها ؟
– كما تعرف الإنفجار الإلكتروني في صناعة موديلات وأنواع من الساعات لبى الكثير من إحتياجات المتذوقين وأهتماماتهم ، ولكن هنالك من يرغب بأقتناء ماركات عالمية ما زالت تحتفظ ببريقها الخاص والمميز ، لأنها إستطاعت إن تحافظ على أسعارها رغم مغريات التكنولوجيا .
* موقف حدث معك أثناء هذه المهنة ؟
– بلا شك كل مهنة لها مساوئها ومفاجائتها ، ومن تلك المواقف جائني في إحدى سنوات الثمانينيات ، أحد أفراد حماية رئيس النظام البائد ” صدام ”  ، وطلب مني تصليح ساعة يدوية تسمى (لونجين) فقلت له :مبلغ تصليحها يكلف ( 400) دينار ، فوافق عليه وبعد يومين بحثت عن (الدشلي السنتر ) المكسور ووجدته عند أحد أصدقاء المهنة ، وبصراحة كان المبلغ غالي وكبير في آن واحد .

ضريبة المهنة

ودعنا ( يوسف أبو علاء الساعاتي) وتوجهنا نحو منطقة حافظ القاضي بالقرب من البنك المركزي العراقي ، وجدت ( عقيل ) منهمك في تصليح أحدى الساعات :
*سألت ( عقيل المالكي) صاحب كشك صغير لا يتجاوز طوله وعرضه متر مكعب واحد : أرى المهنة أخذت نصيبها الكافي من صحة عيونك ؟
-كل شيء ترميمه وإعادته أفضل من صورته وحالته إلا الوقت والصحة فهما زئلان رغما عنك شئت أم أبيت ، وما من شك بأن ضريبة هذه المهنة هو دفع صحة عيوننا ، كما أن هذه المهنة تحتاج إلى الصبر والتحمل لساعات طويلة من أجل تصليح الساعات ، ويستذكر ( المالكي) قائلا : الساعات السويسرية واليابانية القديمة كانت تدوم لأكثر من ثلاثين عاما، ولا تحتاج إلا إلى بعض العناية والتنظيف ، كما تمتاز بوزنها الخفيف ولا ثؤثر على حركة عملك ، إما ساعات هذا الوقت فهي مثل (الذهب البرازيلي ) يلمع لسنة واحدة ثم يباع بسعر بخس ، وأعتبر الساعاتي (المالكي ) تلك الساعات مثل الطماطم يمكن إستخدامها في جميع أنواع الأكلات والطبخ.

سوق عريبه

حينما تساءل عن (اسطه ) لتصليح الساعات في سوق عريبة نهاية شارع الداخل في مدينة الثورة (سابقا) الصدر حاليا ، فإن الجميع يرشدك إلى (سيد عيسى) رجل في ستينيات من عمره ، لا يعرف مهنة سوى تصليح الساعات ، والتي نمت وترعرعت في عروقه .
– سألته : ما الذي يمكنك إن تستفاد من هذه ( الخرده ) ؟
– أخذ شهقة قوية من سيكارته (MT) وقال لي :
– هذه ( الخرده ) هذه قطع الغيار التي تشاهدها هي المواد الأولية لكل ما أحتاجه في هذه المهنة ، ولا يمكنني التفريط بها بأي شكل من الأشكال ، هل شاهدت يوما ما صائغ الذهب يرمي مخلفات عمله في حاوية النفايات ، لدينا قطع غيار لجميع الساعات القديمة والحديثة، مما يجعلنا الأقدر على تصليح أي ساعة مهما كانت ، ولا تنسى الخبرة الكبيرة في تصليح أي الساعات منذ أربعين سنة .
– طيب ، متى باشرت في هذه المهنة ؟
– كان إبن خالي ( اسطه ) فني في تصليح الساعات وفي نفس هذا المكان وذلك في عام 1982 ، وقد تعلمت على ايديه الكثير من أسرار هذه المهنة .
– ما الغاية من بقاء هذه الساعات القديمة التي أكل وشرب الدهر عليها ؟
– يا أخي هذه الساعات المعروضة داخل المحل قديمة جدا، بالإضافة الى أنها ليست للبيع وإنما للعرض ، فهنالك العديد من الزبائن الذين يترددون على هذا المحل ، لغرض تصليح ساعات قديمة ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ، ولا يجدوم قطع غيارها إلا في هذا المكان.
– ماهي أبرز أنواع الساعات ؟
– الساعات الحديثة مختلفة الأحجام المتنوعة تختلف اختلافا كبيرا عن الساعات الأثرية التي تشاهدها ، فمنها الحجم الكبير والصندوق الخشبي ، ومجموعات من الأجراس الموسيقية ذات النغمات المتعددة ،وتختلف الساعات طبقا لكيفية أداء أجزاء وطريقة عملها، فهناك ساعات تدار بالحركة الميكانيكية ( التوقيت أو النصب كل خمسة عشر يوما ، ومنها من تعمل بالكهرباء، ومنها من تعمل بالبطارية، أما من ناحية الأسعار ، فهنالك تفاوت من الرخيص إلى الثمين والثمين جدا، وتعتمد هذه الأسعار على موديل وماركة الساعة وندرتها أيضا .

انتهاء الوقت

كان بودنا أن نطوف في محلات أخرى من تصليح الساعات ، ولكن الوقت أدركنا ، ولذا أخذنا بعض الصور التذكارية مع (اسطوات هذه المهنة) لعلها تنفعنا اذا ما تعطلت ساعتنا اليدوية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق