اخر الاخبارقسم السلايد شوملفات

لماذا أخرج الإمام الحسين عليه السلام نساءه وعياله إلى كربلاء؟

 

متابعات – فضاءات نيوز 

لقد أيقن سيد الشهداء عليه السلام أنّ القضية الإسلامية لا يمكن أن تنتصر إلاّ بفخامة ما يقدّمه من التضحيات، فصمّم بعزم وإيمان على تقديم أروع التضحيات، فقدم نفسه وأراق دمه الطاهر من أجل أن ترتفع راية الحقّ، وتعلو كلمة الله في الأرض.

كما وأقدم أبو الشهداء عليه السلام على أعظم تضحية لم يقدمها أيّ مصلح اجتماعي في الأرض، فقد قدّم أبناءه وأهل بيته وأصحابه فداءً لما يرتئيه ضميره من تعميم العدل، وإشاعة الحقّ والخير بين الناس.

وضحى بأبنائه وأخوته وأصحابه عليهم السلام، فكان يشاهد هؤلاء الصفوة الذين هم من أنبل مَنْ عرفتهم الإنسانية في ولائهم للحقّ، وهم يتسابقون إلى المنيّة بين يديه، ويرى الكواكب من أهل بيته وأبنائه، وهم في غضارة العمر وريعان الشباب، وقد تناهبت أشلاءهم السيوف والرماح، واهتزت الدنيا من هول هذه التضحية التي تمثّل شرف العقيدة، وسموّ القصد، وعظمة المبادئ التي ناضل من أجلها، وهي من دون شك ستبقى قائمة على مرّ القرون والأجيال تضيء للناس الطريق، وتمدّهم بأروع الدروس عن التضحية في سبيل الحقّ والواجب.

حمل الإمام الحسين لعقائل النبوّة
وحَمْل الإمام الحسين عليه السلام أخواته وبناته وتعريضهن للأذى في سبيل الله كان ضمن تلك الأمور التي ضحى بها الإمام الحسين عليه السلام في سبيل الله وإعلاء لمبادئه، وكان حمله لعقائل النبوّة ومخدّرات الرسالة إلى كربلاء من أروع ما خطّطه الإمام العظيم عليه السلام في ثورته الكبرى، وهو يعلم ما سيجري عليهنَّ من النكبات والخطوب، وقد أعلن ذلك حينما عذله ابن عباس عن حملهنَّ معه إلى العراق، فقال له: (قد شاء الله أن يراهنَّ سبايا)(1). لقد أراد عليه السلام بذلك أن يستكمل أداء رسالته الخالدة في تحرير الأمّة وإنقاذها من الاستعباد الأموي.

الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء رحمه الله

قال رحمه الله: (وهل تشكّ وترتاب في أنّ الحسين (عليه السلام) لو قُتل هو وولده، ولم يتعقّبه قيام تلك الحرائر في تلك المقامات بتلك التحدّيات لذهب قتله جباراً، ولم يطلب به أحد ثاراً، ولضاع دمه هدراً، فكان الحسين يعلم أنّ هذا علم لابد منه، وانه لا يقوم به إلاّ تلك العقائل، فوجب عليه حتما أن يحملهنَّ معه؛ لا لأجل المظلومية بسببهن فقط، بل لنظر سياسي وفكر عميق، وهو تكميل الغرض، وبلوغ الغاية من قلب الدولة على يزيد، والمبادرة إلى القضاء عليها قبل أن تقضي على الإسلام وتعود الناس إلى جاهليتها الأولى)(2).

الأستاذ السيّد أحمد فهمي
وقد أدرك الحسين أنّه مقتول؛ إذ هو يعلم علم اليقين قبح طوية يزيد، وإسفاف نحيزته، وسوء سريرته، فيزيد بعد قتل الحسين ستمتد يده إلى أن يؤذي النبي «صلّى الله عليه وآله» في سلالته، من قتل الأطفال الأبرياء، وانتهاك حرمة النساء، وحملهنَّ ومَنْ بقي من الأطفال من قفرة إلى قفرة، ومن بلد إلى بلد، فيثير مرأى أولئك حفيظة المسلمين، فليس ثمة أشنع ولا أفظع من التشفّي والانتقام من النساء والأطفال بعد قتل الشباب والرجال، فهو بخروجه بتلك الحالة أراد أن يثأر من يزيد في خلافته، ويقتله في كرامته. وحقّا لقد وقع ما توقّعه، فكان لما فعله يزيد وعصبته من فظيع الأثر في نفوس المسلمين، وزاد في أضغانهم ما عرّضوا به سلالة النبوّة من هتك خدر النساء، وهنَّ اللاتي ما عرفنَ إلاّ بالصيانة والطهر، والعزّ والمنعة، ممّا أطلق ألسنة الشعراء بالهجاء والذمّ، ونفّر أكثر المسلمين من خلافة الأمويّين، وأسخط عليهم قلوب المؤمنين، فقد قتله الحسين أشدّ من قتله إيّاه(3).

الدكتور أحمد محمود صبحي
ثمّ رفض ــ يعني الحسين ــ إلاّ أن يصحب أهله؛ ليشهد الناس على ما يقترفه أعداؤه بما لا يبرّره دين ولا وازع من إنسانيّة، فلا تضيع قضيته مع دمه المراق في الصحراء، فيفترى عليه أشدّ الافتراء حين يعدم الشاهد العادل على كلّ ما جرى بينه وبين أعدائه(4).

الدكتورة بنت الشاطئ
أفسدت زينب أخت الحسين على ابن زياد وبني أميّة لذّة النصر، وسكبت قطرات من السمّ الزعاف في كؤوس الظافرين، وإنّ كلّ الأحداث السياسية التي ترتّبت بعد ذلك من خروج المختار، وثورة ابن الزبير، وسقوط الدولة الأموية…ثمّ تأصّل مذهب الشيعة إنّما كانت زينب هي باعثة ذلك ومثيرته. ونقول: ماذا يكون الحال لو قُتل الحسين ومَنْ معه جميعاً من الرجال إلاّ أن يسجّل التاريخ هذه الحادثة الخطيرة من وجهة نظر أعدائه، فيضيع كلّ أثر لقضيته مع دمه المسفوك في الصحراء.

الشيخ عبد الواحد المظفر

الحسين لو أبقى النساء في المدينة لوضعت السلطة الأمويّة عليها الحجر، لا بل اعتقلتها علناً وزجتها في ظلمات السجون، ولابد له حينئذ من أحد أمرين خطيرين، كلّ منهما يشلّ أعضاء نهضته المقدّسة ؛ إمّا الاستسلام لأعدائه وإعطاء صفقته لهم طائعاً؛ ليستنقذ العائلة المصونة، وهذا خلاف الإصلاح الذي ينشده، وفرض على نفسه القيام به مهما كلّفه الأمر من الأخطار، أو يمضي في سبيل إحياء دعوته، ويترك المخدّرات اللواتي ضرب عليهنَّ الوحي ستراً من العظمة والإجلال، وهذا ما لا تطيق احتماله نفس الحسين الغيور، ولا يردع بني أميّة رادع من الحياء، ولا يزجرها زاجر من الإسلام. إنّ بني أميّة لا يهمّها اقتراف الشائن في بلوغ مقاصدها، وإدراك غاياتها فتتوصّل إلى غرضها ولو بارتكاب أقبح المنكرات الدينية والعقلية .ألم يطرق سمعك سجن الأمويّين لزوجة عمرو بن الحمق الخزاعي، وزوجة عبيد الله بن الحرّ الجعفي، وأخيراً زوجة الكميت الأسدي.

خلاصة ما مر من الأقوال

هذه بعض الآراء التي توضح أنّ خروج الحسين عليه السلام بعائلته لم يكن الغرض منه إلاّ بلورة الرأي العام، وإيضاح المقاصد الرفيعة التي ثار من أجلها، ومن أهمها القضاء على دولة الأمويّين التي كانت تشكّل خطراً مباشراً على العقيدة الإسلامية.

وعلى أيّ حال، فقد حطّم الإمام بخروجه بعائلته جميع مخطّطات السياسة الأموية، ونسف جميع ما أقامه معاوية من معالم الظلم؛ فقد قامت عقائل الوحي بدور فعّال ببث الوعي الاجتماعي، وتعريف المجتمع بواقع الأمويّين وتجريدهم من الإطار الديني، ولولاهنَّ لاندثرت معالم ثورة الحسين، وذهبت أدراج الرياح.

إنّ من ألمع الأسباب في استمرار خلود مأساة الإمام الحسين (عليه السلام) واستمرار فعّالياتها في بث الإصلاح الاجتماعي على امتداد التاريخ، هو حمل ودائع الرسالة وعقائل الوحي مع الإمام، فقد قمْنَ بدور مشرّف في بلورة الرأي العام، فحملنَ راية الإيمان التي حملها الإمام العظيم، ونشرنَ مبادئه العُليا التي استشهد من أجلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق