اخر الاخبارعمودقسم السلايد شو

كيف كسر السيد السيستاني إحتكار الحركات الدينية لمفهوم حق الولاية على المسلمين؟

قراءة في أطروحة الدكتوراه للعراقي عاطف القطان

 

سدني. هادي جلو مرعي

تكاد تكون هنالك رؤيا تحظى بشبه أتفاق على تبنيها لغالبية المجتمعات التي دار في فلكها مايعرف بالربيع العربي الذي أطاح بحكومات هذه المجتمعات بعد أن ظلت جاثمة عليها لحقب طويلة متفاوته، هذه الرؤيا هي حالة التمني لدى المواطن في هذه الدولة، أو تلك بوجود ( القوة الدينية ) التي تتمركز في العراق منذ قرون طويلة جدا، ويتفاوت ظهورها وتأثيرها مابين مرحلة وأخرى حسب الظرف الذي تقتضيه حاجة المجتمع، لكن المؤكد إن هذه القوة ظلت محورا مهما في الحفاظ على وحدة البلد الذي أختاره يوما ما رابع الخلفاء ليكون منطلقا إسلاميا، وعاصمة ذات تأثير في قراءة دقيقة وصائبة لموقعه.
المواطن العربي لم يكن يدرك هول ماسينجم من أهوال ودمار بشري ومادي ناتج عن سقوط حكوماته، ولذلك فهو مازال يعيش الصدمة للآن، بينما في العراق كان الأمر أهون ربما، المأسي والويلات والحروب والقتل والإخفاء والتهجير التي عاشها العراقيون قبل سقوط نظام الحكم فيه كان من أشد عوامل تخفيف صدمة ماتلا ذلك .
عندما وضع صديقي طالب الدكتوراه ( عاطف القطان ) أطروحته التي كان محورها دور السيستاني , وجدت نفسي أغور في بحر كتاب هذه مرحلتة ووقته , وتمنيت للحظة ان تنتهي مناقشة هذه الأطروحة لتتحول الى كتاب تتعطش رفوف المكتبة لمثله ….
بعد 2003 كان لابد من مرجعية النجف أن تخرج من عباءتها التي أرتدتها مرغمة لأكثر من ثلاثين عاما وتبعد عنها الاتهام بأخذ موقف المتفرج تحت ذريعة مصطلح ( التقية ) . فقد سنحت الفرصة الآن لظهور الديمقراطية الجديدة , وجاء الدور الذي يعطي للمرجعية الحق والحرية في بيان مايعني وجودها ودورها في الأمة وحدود عملها للكثير من الناس , لاسيما عند ظهور مايعرف بالإسلام السياسي وظهور حركات أسلامية وصلت للسلطة وماتفرع عنها فيما بعد من تنظيمات وحركات ينتمي بعضها للفقه التقليدي عند المذهبين الشيعي والسني الأكثر أنتشارا بين المسلمين تبنت في أدبياتها التأسيسية مشروع الإحياء الديني، وشمل بعض هذا الإحياء السعي الى أيجاد الحكومة الإسلامية وحكم الدولة والمجتمع بما أنزل الله، وطبيعة الحال أستوجبت ظهور الديمقراطية إن لم نقل ولادتها، وتمتع المجتمع بها الى ضرورة إجراء إنتخابات واستفتاءات وكتابة دستور، أو تعديل بعض بنوده، والمحافظة على نسيج مجتمع متعدد، هنا إلتفتت الأعناق صوب النجف، وشخصت الأبصار إليها فكان لابد للمرجعية أن يكون لها قول فصل فيما يعرض عليها، أو ماتجد نفسها ملزمة أبداء الرأي فيه وحسمه، فكانت أراء ومواقف السيد علي السيستاني تأتي تباعا لتضع الحد الفاصل فيما يمكن للمجتمع ان يختلف فيه، وكان لها مواقف مشرفة تمثلت بتدخلها بالوقت المناسب جدا لحل الأزمات السياسية بدءا من الانتخابات الأولى التي جرت 2005 وصولا ( للفتوى ) التأريخية التي حالت دون أحتلال العراق وتقسيمه وضياعه.
لقد دعت مرجعية السيستاني الى كسر أحتكار الحركات الدينية لمفهوم حق الولاية السياسية على المسلمين وغيرهم، بل أكدت على ضرورة أختيار أعضاء المجالس النيابية والمحلية من كل أطياف ومكونات المجتمع واشراك الجميع فيها , وهو ماانعكس واقعا على حجم التمثيل السياسي وتنوعه بشكل يكاد يرضي جميع الاطراف ويحقق طموح الناخب العراقي .
أن هذه الرؤيا عند السيد السيستاني رؤيا جاءت نتيجة الإيمان بوحدة الدولة ودولة المواطنة والتداول السلمي للسلطة والتعددية السياسية منهجا وسلوكا وفلسفة، ولصدق النوايا فيما طرحته النجف فقد صارت تحظى بقبول وإقتناع لم يقتصر عن المذهب الذي تمثله بل تعدت للمذاهب والديانات والمكونات الأخرى في البلاد، وصار هنالك تطور أيجابي في قبول هذا المعطى يتنامى يوما بعد أخر، هذا الأمرالذي يصفه الكثير من العراقيين بأنه ( نعمة إلهية ) كان يفتقر إليه مجمل الكيان البشري العربي الذي نزف كثيرا وصرخ طويلا، ومازال يعاني بعدما تخلص من الرموز السياسية التي كانت تحكمه ، حتى لقد قال أحد مفكريهم ( نحن بحاجة ماسة في شارعنا العربي والإسلامي لشخصية السيد السيستاني ) .
أما أنا فأقول مقولة المتواضع العاجز بقلمه، نعم نحن بحاجة لهكذا أطاريح دكتوراه فذة ورصينة ووثائقية تضاف للمكتبة الإسلامية والعربية، وتكون مرجعا للباحثين عن دراسة شخصية أسلامية حقنت الدماء، وصانت العرض والأرض، وحفظت المقدسات، فقد لايتوفر كثير من الوقت والجهد والمصادر، بل وحتى الرغبة في هكذا دراسات كالتي توفرت عند الياحث عاطف القطان، إنه البحث عن الحقيقة لتوثيق التأريخ، والاستفادة منه عند أجيال أتية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق